هل تدرسين لتعملي؟

 أحسبك يا ابنتي تدرسين وتجدين وقد وضعت العمل نصب عينيك بعد التخرج، فعمل المرأة أصبح ظاهرة منتشرة بكثرة في مجتمعاتنا وكأنه نتيجة طبيعية لكل من تحصل على شهادة، وأصبح جلوس البنت في البيت أمراً لا يليق بمكانتها سواء أتزوجت أم لا.

وأحسب أن هذه الظاهرة ينبغي الوقوف معها قليلاً ودراستها قبل الانسياق وراءها، لأنه وإن كان لعمل الفتيات إيجابيات، وكونه ضرورة في بعض الظروف، إلا أن محاذيره أكبر حين يسود في المجتمع؛ وإيجابيات العمل معروفة فهو يتيح للبنت الاحتكاك بالناس والتعرف على الحياة وزيادة الخبرات، والأهم إفادة المجتمع وسد حاجاته من الطبيبات والمعلمات… لكن “عمل المرأة” أساء للمجتمع من جهة أخرى؛ لأنه أصبح الغاية والهدف من الحياة، وصار -في كثير من الأوقات- مقدماً على الزواج والإنجاب وهذا مخالف للفطرة.

ولأن العمل هو الهدف من الشهادة أهملت الفتيات ميولهن وقدراتهن وصرن يخترن الفروع الدراسية التي يحترمها الناس ويقدرونها، والتي توفر لهن الوظيفة وتدر عليهن الراتب الجيد. وقتل المواهب أمر مؤسف ودراسة الفتاة لفرع لا تحبه يقلل من كفاءتها وإبداعها. فلا تفكري بالعمل وحده حين تختارين تخصصك، وإنما اهتمي بميولك العلمية أو الأدبية، وراعي هواياتك فتتفوقين وتبدعين.

وكثير من الفتيات اللاتي درسن وسهرن ثم عملن في وظائف مرموقة وحصلن على رواتب عالية وقعن في صراع كبير حين جاءهن الخاطب: “هل يتركن المجد الذي وصلن إليه أم يتزوجن؟” فالأعمال التي اخترنها لا تصلح للمتزوجة، طبيبة التوليد -مثلاً- قد تستدعى في أي وقت من الليل والنهار، فهل تستطيع؟ وهل سيرضى أي زوج بهذا؟ وهل سيتقبله طفلها الصغير ويتفهم غيابها؟

والمشكلة الكبرى أن العمل خارج المنزل لا يعفي المرأة من مسؤولياتها داخله ولو كانت لها خادمة، فتتضاعف أعباء المرأة العاملة مما يجعلها تنقطع عن الحياة الاجتماعية ولقاء الصديقات وصلات الأرحام، وغالباً ما تقصر في حق أمها وأبيها وأحياناً تقصر في حق زوجها وأولادها. والحق أن التوفيق التام بين مسؤوليات الزوجة وبين أي وظيفة أمر مستحيل، ولا بد أن تبغي إحداهما على الأخرى. وكم هو مؤلم حين تخرج المرأة لتعلم أولاد الناس وتطبب أولاد الغرباء وأولادها بلا معلم ولا طبيب.

إن العمل عهد أمام الله وأمام الناس الذين ستعملين معهم، أي فيه حساب ومساءلة، والعمل عبء نفسي وجسدي، فإن لم تكن المرأة بحاجة فعلية إليه كانت خسائرها أكبر من عوائدها في الدنيا والآخرة، والراتب والخبرة لا يوازيان الأجر العظيم الذي ستخسرينه من البر وصلات الأرحام، ولا يعوضان الأولاد عن الحنان ولا يجبران النقص في التربية والتوجيه.

العاملون يتتظرون العطلة بفارغ الصبر ليتخلصوا من الضغط ويمارسوا هواياتهم ويظهروا إبداعاتهم، وأنت أمامك هذه الفرصة فاغتنميها ولا تعتبري العمل لزاماً عليك وتريثي قليلاً وفكري: هل أنت بحاجة للعمل؟ أم يفضل أن تبذلي جهودك وأفكارك لأهداف أو لأشخاص أكثر أهمية؟

ملاحظة: (أقصد بالعمل الوظيفة الراتبة اليومية بساعات محددة ومكان معلوم، أما الأعمال الحرة التي تتيح للمرأة التحكم بوقتها فلا يشملها المقال)

شاهد أيضاً

كيف تحبين القراءة؟

لكل إنسان اهتمام بأحد العلوم؛ التاريخ أو الجغرافية أو الأحياء… ولكل فرد عناية بجانب ما؛ …