هل “التقويم الهجري” إسلامي؟ و”التقويم الميلادي” مسيحي؟!

 

لا أدري لماذا يصر بعض المسلمين على إهمال التقويم الميلادي وإلزامنا بالتقويم الهجري، وكأن التقويم الأول خصصه الله للكافرين والآخر خلقه الله للمسلمين! ولو تحرينا الأمر ورجعنا إلى التاريخ لوجدنا أن حاجة القدماء إلى التقويم جعلتهم يبحثون عن شيء يقيسون به الزمان (في وقت لم يكن به أي وسيلة للقياس)، فكانت حركة القمر هي التي أثارت انتباههم -قبل حركة الشمس- لأنها الأقرب والأوضح والأسهل ملاحظة. وكان العرب من أشهر أمم العالم اعتماداً على القمر في تقاويمهم واستمر ذلك وثبت بمجيء الإسلام، إلا أن هناك أمماً كثيرة اتخذت من القمر تقويماً لحساب شهورها، من ذلك الهنود واليهود والصينيون وبلاد فارس القديمة وغيرهم من غير المسلمين.

ولقد كان التقويم الروماني تقويماً قمرياً يعتمد على دورة القمر حول الأرض باعتبار أن الشهر يبدأ مع ميلاد الهلال، وكانت الأشهر الرومانية تتابع (بين 29 و30 يوماً) ومجموعها 355 يوماً، ولما كانت السنة المدارية 365 يوماً جبروا الفرق بينهما بشهر يضاف كل 3 سنوات، فتصير السنة 12 شهراً لمدة سنتين وفي السنة الثالثة تصبح 13 شهراً! ولكن هذه الإضافة سببت البلبلة والتشويش فلم يعد التقويم القمري هو الأساس، وعدل بعضهم عن استعمال التقويم القمري (الهجري) إلى التقويم الشمسي (الميلادي).

وهكذا احتاج القدماء إلى التقويم وعرفوا تعاقب الفصول المنتظم، ولم يعرفوا أن دوران الأرض حول الشمس هو السبب، ولكن سهل عليهم متابعة تغير موقع القمر وتغير أشكاله فاعتمدوا أولاً الأشهر القمرية، ثم استعملوا التقويمين معاً، وحاولوا التوفيق بينهما (بسبب اختلاف عدد الأيام)، وجهد الباحثون في وضع الجداول المقارنة بين التقويمين، واضطروا إلى إدخال بعض الإصلاحات على التقاويم.

هذه الحقائق تدل على أن استعمال الشعوب للتقويمين الهجري والميلادي قديم، وقديم جداً، ولقد استعمل “التقويم الهجري” قبل الهجرة بمئات السنين فلم تكن هويته “إسلامية”! واستعمل “التقويم الميلادي” قبل ولادة المسيح وقبل ظهور النصرانية بعشرات السنين، فلم تكن هويته مسيحية، ولم يوضع تعنتاً وعصبية وتحيزاً إلى فئة، وإنما استعمل لأنه الأسهل والأسلم في الحساب.

فلماذا نتحاشى نحن” التقويم الميلادي” إذن وهو حيادي النشأة والمذهب؟!

ولنفرض جدلاً أن “التقويم الشمسي” خاص بالكافرين فما المانع أن نجاريهم في أمر علمي فلكي ونحن الذين نتبعهم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع؟ فالتقويم الشمسي واضح للجميع، ويعطي تصوراً كاملاً عن فصول السنة، وعن الأحداث الحياتية التي تتعلق بها والتي نحتاجها دوماً لنخطط لمستقبلنا وأعمالنا (كم بقي للعطلة الصيفية ومتى سيدخل الشتاء ومتى ستنزل الفاكهة إلى السوق، ومتى موسم الحصاد…)، وإن ذكرنا شهر آذار (مارس) علم الجميع أنه بداية فصل الربيع، وإذا قلنا آب (اغسطس) تفهمنا أنه فصل الصيف واشتداد الحر وعطلة المدارس، أما التقويم القمري فإنه يدور ويتغير مع أيام السنة، وكل عام هو في شأن، وهذا يربك ويحرج، ويصعب تتبعه، وتارة يأتي رمضان في العطلة الصيفية وتطول أيامه الحارة، وأخرى يكون أثناء الدوام والدراسة وخلال البرد القارس. ولعل هذا من رحمة الله بنا لنجرب الصيام في الحر والقر، ولكي يقصر على أقوام ويطول على آخرين (ممن يقطنون الشمال القريب من القطب).

ويحتج أنصار التقويم القمري بأن الأحكام الشرعية تتبع السنة القمرية، كرمضان والحج والعدة… الأمر الذي يعني أن الله اختار لنا –نحن المسلمين- التقويم القمري، وهذا الكلام حق، ولكنه لا يعني أن نهمل التقويم الشمسي، والإسلام جعل لدورة الشمس أيضاً أهمية لدى المسلمين وألزمهم بتتبعها حين ربط الصلوات الخمس بحركاتها اليومية في فلك السماء، فنحن نصلي الفجر عند الشروق، والظهر عند الزوال، وهكذا تتباعد الصلوات أو تتقارب، ويطول يوم الصيام أو يقصر بحسب بعد وقرب الشمس عن الأرض أي حسب فصول السنة الميلادية، وربط الله الفطر في يوم الصيام بغروب الشمس كما ربط الإمساك بالفجر الصادق فالتقويمان متداخلان ويصعب فصل أحدهما عن الآخر فصلاً تاماً. وقد يكون ربط الأحكام الشرعية بالأشهر القمرية رحمة من الله بنا؛ لأن هذه الأشهر أقل عدداً فتقصر العدة على المعتدة والأيام على الصائم… وتحري الأشهر القمرية يبعث النشاط والحيوية في المسلمين فيستطلعون الهلال ويترقبونه ليقيموا شعائر دينهم، وهذا يشحذ همتهم ويقوي عزيمتهم. وقد يكون ربط الأحكام الشرعية بالقمر اختباراً من الله لنا ليرى مقدار تقوانا والتزامنا فتحري الهلال يصعب أحياناً وطالما وقع الخلاف في بداية الأشهر القمرية ونهايتها.

والمسلمون يميلون إلى التقويم القمري لأنه ارتبط بالهجرة وبدأ منها، والتقويم الشمسي ارتبط بولادة المسيح، وهذا سليم ظاهرياً، ولكن هل تعلمون أن بعض أعياد الغربيين تتبع السنة القمرية، وتدور معها كما يدور رمضان على شهور السنة، فهم لا يستغنون عن التقويم القمري. ونحن أيضاً مثلهم نحتاج للتقويمين معاً الشمسي والقمري، واحد لينظم حياتنا والآخر لينظم ديننا، وفي الشام كنا نعتني بالاثنين، ولا نجد ذلك صعباً، والأفضل أن يعمم هذا في كل البلاد وأن نتمسك دائماً بالاثنين معاً لأن الأول يعرفنا أحكام ديننا فنعرف كم بقي للحج، ونتابع الأيام والليالي الفضيلة لنستثمرها في العمل الصالح والدعاء، والثاني يعرفنا فصول السنة والمناخ والدورات الزراعية وأمثالها من الأحداث الأرضية الكبيرة المهمة لنا، والتي يكون لها توقيت ميلادي وليس لها توقيت هجري.

أيها المسلمون إننا باهتمامنا بالتقويم الشمسي لا نقلد الغرب ولا نتبعه وإنما نهتم بالنظام الكوني العام الذي كان قائماً منذ خلق الله السموات والأرض والشمس والقمر آيتين من آيات الله، ونحن بحاجة إليه لنتابع الأحداث التاريخية القديمة، وبحاجة إليه لنبقى على اتصال مع الآخرين الذين يشاركوننا الحياة على الكرة الأرضية، وبننا وبينهم مصالح جمة.

ولن نخالف الشرع بهذا إن شاء الله، فالتقويمان -كما يبدو- توأمان متلاصقان ولا يمكن أبداً فصل أحدهما عن الآخر بلا خسائر أو تشويشات.

شاهد أيضاً

هل نعرف حقاً الحكمة من إباحة التعدد؟!

– يقولون أن الله أباح التعدد لأن الزوجة قد تكون عقيماً، وبإباحة التعدد يتزوج الرجل …

4 تعليقات

  1. عبد الله

    السلام عليكم

    على حد علمي جميع الدول العربية تستخدم التقويم الميلادي عدا السعودية ولم اسمع يوماً يوما من احد انه اثار موضوع ان التقويم الشمسي خاص بالكفار وانه يجب ان لا نستخدمه لافتاً للانتباه انني لا احب الطرح الذي يجعل المسلم دائماً هو صاحب الخطأ وانه هو المتشدد مع ان هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع واريد انوه هنا ان اذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على تميز المسلم بثقافته ( لا اقول علمه لان الثقافة تختلف عن العلم ) عن غير المسلم يجب ان تكن ثقتنا بانفسنا اكبر وكفا البعض جلداً للامة فيكفيها اعدائها ، ورأيي صواب يحتمل الخطأ وبالله التوفيق

  2. عبد الله

    شكراً لك على الرد

    عاشرت السلفيين في محال عملي وكنا نتعامل بالتاريخ الميلادي ولَم اسمع منهم تعليق قط وان كان هناك بعض السلفيين يتبنون هذا الموقف فانهم قلة وانا ارى من الأفضل كتابه مواضيع تتكلم عن السفور وعن ملابس الشباب والشابات الذي ترى عوراتهم في الشوارع فان ضررها اكبر ، انتقاد ما يخالف شرع الله وليس البحث عن مواضيع نسير مع. التيار العلماني او للدفاع عن الدين وكأن الدين في موضع الاتهام

    وشكراً

  3. غير معروف

    هو هويه المسلم من اعتزازه برسوله وتاريخه وتراثه ودينه .