لا أدري متى جعل الناس من “المرأة” قضية، لكن الذي أعرفه أنها أصبحت الآن كذلك، فـ”المرأة” اليوم وفي كل مكان على الأرض قضية، بل هي قضية أساسية ومهمة. وقد تطاولت هذه القضية مع كر الأيام والليالي وتنامت حتى صارت قضية كبيرة ومريعة، وباتت متشعبة ومستعصية، وأمست مفتعلة ومتكلفة، وقد تأثر بها سلباً جمهور من المسلمين والمسلمات، فأضحى حلها والفصل فيها أمراً عسيراً غير يسير.
وانشغلت بها المسلمات عن كسب المعالي وعن كل أمر، وتِهن في ذيولها، وتعبن في الذب عنها والانتصار لها، وقد أعجبني في هذا المقام قول الداعية زينب الغزالي: “لقد قلدنا الغرب وجعلنا للمرأة “قضية” فانهمرت التساؤلات: عن “المرأة المثالية” وما هي “صورة المرأة” وما هي “مكانة المرأة” وهكذا، وكأن المرأة في الإسلام ليس لها وجود فنحن نريد أن نؤكد أن الإسلام قد جعل لها وجوداً! فإذا كان الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة فكيف نتساءل عن مكانة المرأة في الإسلام وعن كينونتها وعن كرامتها؟! فمكانتها وكرامتها من كرامة الرجل وكذلك كينونتها لأنها إنسان شأنها شأنه” .
ومن أجل أن المرأة صارت قضية عوملت كما تعامل القضايا فقدمت أوراقها إلى القضاء (الذين هم علماء الأمة)، ورفعت عليها دعوات منذ سنين بل منذ عقود وعقدت لها جلسات (من محاضرات ومؤتمرات…)، فهاجمها المدعون، ونافح عنها المحامون، وشهد لها أو ضدها الشهود… لكنها لم تنته ولم يفصل فيها، ومازالت أوراقها تدور وتلف من محكمة إلى محكمة ومن بلد إلى بلد ومن قاض إلى آخر، وما يكاد يحكم لها أو عليها حتى يولد لها ذيول، ويستجد فيها أمور، فتتحول أوراقها إلى محكمة الاستئناف مجدداً…
الأمر الذي نتج عنه من جانب المسلمين مايلي:
1- كثرة الاهتمام بالخطب والمحاضرات والندوات وكل ما يبين مدى اهتمام الإسلام بالمرأة، وما أعطاها إياه من الفضل والمكانة.
2-وكثرة الكتب التي تبحث أمور النساء، وتبين حقوقهن، وتدحض الشبهات المتعلقة بهن.
وبما أن حقوق النساء معلومة محدودة والشبهات حولهن محصورة معدودة كانت الكتب التي تبحث قضايا المرأة كلها متشابهة إلا قليلاً، ولذلك -وعلى الرغم من أني امرأة- إلا أني لا أحب قراءة هذه الكتب أبداً! إذ يكفي أن تقرأ المسلمة كتاباً واحداً منها حتى تعرف محتويات بقيتها، فهي مبوبة ككتب الفقه التي لا يختلف واحدها عن الآخر في التبويب والترتيب الموضوعي ثم في المحتوى العام إلا قليلاً:
أ- حيث تبدأ هذه الكتب بمقدمة تاريخية تبين وضع المرأة السيء والمخزي عند سائر الشعوب القديمة كاليونان، والرومان… وتتدرج الأوضاع زمنياً حتى تصل إلى الجاهلية ومنها تنتقل إلى الإسلام فتبين الفروق بين الحقبتين، ثم توضح ماذا قدم الإسلام للمرأة، وكيف كرمها. هذا الفصل الأول.
ب- أما الفصول التالية فإنها تبين حقوق وواجبات المرأة، وتدحض الشبهات التي رمانا بها أعداء الله، وتبين الحكمة من بعض الأمور كالتعدد والطلاق والشهادة والميراث…
وتناقش كتب المرأة هذه القضايا بطريقة نظرية تقليدية واحدة لا تجديد فيها إلا قليلاً.
وتعتمد هذه الكتب في ذلك أسلوبين لا ثالث لهما:
أ-فهي إما تنتقص من النساء وتقلل من شأنهن؛ وتقول بأنهن أقل من الرجال في كل شيء، وأنهن سفيهات وغير عاقلات… وأنهن خلقن لخدمة الزوج ولإنجاب الأولاد وتربيتهم، وأن عليهن المكوث في البيت إلا إن عرضت لهن حاجة ضرورية، وأمثال ذلك، ثم تنسب هذه الكتب هذا الظلم كله إلى الإسلام! مستدلة بآية وحديث أساء الناس فهمهما هما: {وليس الذكر كالأنثى}، “ناقصات عقل ودين”؛ وبالتالي فعلى النساء الرضوخ والقبول بهذا الوضع أي بالظلم والتهميش، لأنهما حكم الله ورسوله فيهن من فوق سبعة أرقعة!
ب- وإما تواسي هذه الكتب النساء، وتحاول إقناعهن بضرورة التعدد وبحكمة تضعيف الميراث، وبأهمية أن يكون الطلاق بيد الرجل… وكأن المرأة إنسانة هشة ضعيفة الإيمان معترضة على أوامر الله وقضائه في خلقه، فهي تريد من يقوي إيمانها، ويبين لها الحكمة في كل أمر أثار ريبتها حتى تقتنع به، وإلا فلن ترضى بالانصياع لأوامر الله!؟
ولذلك لا تشفي أمثال هذه الكتب غليل النساء كلهن، ولا تذهب عنهن الألم والمعاناة، إذ ليس هذا ما تشكو منه المرأة المؤمنة (الطلاق والتعدد…)، ولا هو ما يقلقها ويحزنها ويثير شجونها، وإنما المشكلة الحقيقية الرئيسية التي تعاني منها المرأة المسلمة هي غياب الفهم الحقيقي ثم اختفاء التطبيق الفعلي للإسلام، فقد قال المسلمون للمرأة أن الإسلام أعطاها حقوقاً ما أعطيت لنساء قبلها، وأن الشريعة منحتها تكريماً لم يمنح لغيرها، فلما احتاجت هذه الحقوق ما وجدتها، ولما طلبت الإنصاف ما أعطي لها!؟ ولما ظُلمت وقهرت ما لقيت من ينتصر لها، ولما بذلت وضحت وأعطت بلا حساب ما وجدت تكريماً ولا احتراماً ولا حتى تقديراً! فما نفع هذه الحقوق في إعلاء شأن المرأة وهي حبيسة كتب الفقه والتفسير والحديث؟! وما نفع هذه الحقوق في رفع الظلم عنها وتطبيقها مقتصر على فئة قليلة ممن وعى الإسلام وخشي الله؟! وما نفع هذه الحقوق في تكريم المرأة ومعظم النساء مقهورات معذبات؟!
فالمرأة تسمع نظريات، ثم لا تجد في الواقع الذي تعيشه التكريم اللازم ولا تشعر باحترام الرجل لها، ولا بتقديره لوظيفتها، وهي تقرأ عن حقوقها في الآيات والأحاديث ثم لا ترى تطبيقاً ولا سلوكاً، فهل يرضى الزوج الذي يأتي بيته بعد يوم عمل طويل منهكاً متعباً جائعاً أن تقدم له زوجته كل يوم على الغذاء -بدل الطعام- وصفة مكتوبة لمقادير الطبق الذي يفضله، ومعها صورة جذابة ملونة مرسومة على الورق الصقيل للطعام الذي يحبه، ثم تقول له: انظر ما أشهى هذا الطعام، وما ألذ هذا الصنف، تأمله جيداً، وأنا أعرف كيف أصنعه وعندي المواد الأولية اللازمة لصنعه، فكم أنت محظوظ لأنك تزوجت طباخة مثلي؟! فماذا يفيده ذلك إن لم تطبخه له وتقدمه إليه ليأكله ويطفئ جوعه، بل إن منظر الطعام الشهي سوف يسيل لعابه ويزيد في عذابه…
وكذلك شأننا اليوم فقد قدم المسلمون للمرأة حقوقها في محاضرات شيقة ممتعة مقرونة بالآيات والأحاديث الصحاح، وقدموا لها حقوقها مكتوبة على الورق المطبوع بطريقة جذابة رائعة، فماذا أفادها هذا في رفع القهر والظلم عنها؟ وأين تلك الحقوق في الواقع الذي تعيشه المرأة اليوم؟
واستمر الحال في التدهور، وأصبحت الهوة كبيرة جداً بين الرجال والنساء في مجتمعات كثيرة فأصبح الرجل أفضل من المرأة بدرجات وصار يتمتع بكل الحقوق والسلطات، وأضحت النساء خاليات من الفضائل والمناقب، محرومات من أبسط حقوقهن، الأمر الذي هيأ للذكور مكاسب أكبر ومزايا أمتع من مكاسب الإناث من مثل:
1- تمتع الذكر بحقوق أكثر مما تتمتع به الأنثى، مع احترام تلك الحقوق بترك الشاب يفعل ما يشاء في حين تقيد الأنثى ويحجر عليها.
2- التغاضي عن هفوات وأخطاء الذكور مقارنة بأمثالها عند الإناث.
3- تشجيع الذكور والاهتمام بهم منذ الصغر ولو كانوا أفراداً عاديين، وإهمال الإناث والتغاضي عنهن ولو بدا منهن نبوغاً.
4- فتح جميع المجالات أمام الذكور للعمل والدراسة والكسب… وإغلاق بعضها في وجه الإناث.
كانت هذه بعض المجالات فقط، وينطوي تحت هذه الأمثلة الكثير من المفارقات.
وكان أن أصيبت النساء بالإحباط جراء هذا الحال فأسأن إلى وضع المرأة أكثر، حيث انقسمت النساء إلى أربع فئات:
1- فئة تمردت على الوضع وحقدت على الرجال ونافستهم، فنزعن الحجاب ورفضن الدين… وترفعن عن القيام بواجباتهن، وتفلتن من عملية التربية ورفضن القيام بأعبائها، وتركنها إلى الخادمات، أو تركن أولادهن بلا رقيب ولا حسيب. بل انتسبت بعضهن إلى جمعيات تحرير المرأة وما شابهها، فأسأن إلى أنفسهن وإلى غيرهن وخرجن من الملة واقتربن من الكفر والإلحاد.
2-وفئة نساؤها مستسلمات للوضع ومتقبلات للظلم، إنما كارهات لأنفسهن ولولادة الأنثى ولكل ما يخص الإناث، وهن في كل سلوكهن سلبيات فلم يتعلمن ولم يقدمن شيئاً مميزاً لا لأنفسهن ولا لأولادهن؛ لأنهن فهمن أن الأنوثة هي طبخ وتنظيف وغسيل، ومداراة زوج، وولادة أطفال.
فإن باتت المرأة تمقت أنوثتها وتحتقر ذاتها فماذا تنتظر النسوة من الرجال؟
وقد أساءت هاتان الفئتان إلى الإسلام والمسلمين، وانقلبت عندهن المفاهيم فصار كل ما يتعلق بالأنثى كريهاً، وكل صفة تتحلى بها مذمة، وكل حال يعتريها منقصة… وقد يكون الحيض الذي يعتري النساء أذى، وقد يصاحب الحمل الضعف فتشعر الأنثى بوهن على وهن.. أما أن تعتبر النساء عملية التربية منقصة لأنها من خصوصيات الأنثى فإن هذا والله جرم خطير، وجنحة عظيمة لا ينبغي السكوت عنها، فالتربية من أجل الرسالات وهي سر نجاح الأمم وتقدمها.
3- وفئة تشككت واحتارت: إذ إننا نشهد بحمد الله صحوة إسلامية رائعة، رجع فيها جمع عظيم من المسلمين إلى دينهم، وعادوا إليه نادمين متأسفين عما ضاع من أيامهم في اللهو واللعب، ومتشوقين إلى الاستزادة من العمل الصالح، وقد انكب أولئك بلهفة على حلقات الدرس ليتعلموا ما فاتهم تعلمه من دينهم، وليتفهموا وليسألوا.
وكانت النساء من أولئك العائدين إلى الله، المقبلين على الحلقات في المساجد والبيوت، وكن ممن يسأل ويتفه ويبحث… وقد اجتمعت ببعضهن مرات عديدة، فشعرت بأن المقارنة بين الرجل والمرأة مابرحت تؤرقهن، وأن الفروق بين الجنسين مافتئت تشغلهن، فقد سألن أسئلة كثيرة، لكن سؤالاً واحداً كان يتكرر بأساليب شتى، وبصور مختلفة، إنما بمحتوى واحد هو: “هل يحابي الإسلام الرجل على حساب المرأة؟”، الأمر الذي يدل على أن هذا الموضوع، يشغل المرأة ويحتل حيزاً من اهتمامها، ويؤثر في سلوكها، وصار يستنزف طاقاتها، ويعطلها عن التفكير في القضايا الأخرى الأكثر أهمية.
4- ونجت فئة قليلة من هذا الانحراف، وظلت على المحجة البيضاء، وهي ما زالت تعمل وتنادي وتدعو إلى الله ولكن لا مجيب فصوتها ضعيف، ووسائلها بدائية، وفكرة الناس عنها غير جيدة فهي برأيهم فئة رجعية!
آلمني هذا الواقع كثيراً، ودفعني انقسام هؤلاء النسوة وتفرقهن إلى فئات إلى الاهتمام بالموضوع، والقراءة فيه والتقصي عنه لأجد شيئاً يثلج صدر الفئات الأربع ويساهم في حل قضية المرأة، فانتبهت إلى آية عظيمة {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}.
والغريب أني كنت أسمع هذه الآية من قبل وأتلوها وأرددها كثيراً، وما خطر لي أن أتفكر في معانيها أو أن أتعمق في دلالاتها -إلا من قريب- رغم حاجتي الملحة إلى مثلها! إذ كان يثير استغرابي من قديم وضع المرأة هذا، وكان يضايقني منذ كنت صغيرة تمني الكثيرات حولي أن يتحولن إلى رجال، وأن لا يلدن إلا الذكور. وطالما حاولت إقناعهن أن يستبدلن بهذه الأمنيات التي لا تفيد شيئاً ولا تغير واقعاً تفكيراً عملياً فعالاً: كالنظر إلى النواحي الإيجابية للأنوثة، والاستفادة منها في رفع ثقة المرأة بنفسها، ودفعها لتكون المسلمة المثالية القوية المنتجة، لا المرأة الجاهلة الضعيفة… دون أن أفلح. فكان سروري بهذه الآية -عندما تنبهت إلى المعاني الكامنة فيها- عظيماً؛ إذ وجدت فيها نصاً قرآنياً صريحاً واضحاً محكماً ينهى عن تمني هذه الأمنية (فلا هنا ناهية) فعلمت أن النهي عن التمني أمر إلهي، لا يجوز التفريط فيه.. ووجدت فيها نصاً يثبت بالدليل القاطع -الذي لا يحتمل التأويل- الأمر الآخر المهم المُطَمْئِن: {وللنساء نصيب مما اكتسبن} وهي الناحية الإيجابية التي كنت أحاول إقناع مَن حولي بها؛ حيث قيل في تفسيرها: “أي لكل فريق نصيب مما اكتسب في نعيم الدنيا قبضاً أو بسطاً فينبغي أن يرضى بما قسم الله له” وقيل: “{للرجال نصيب} حظ {مما اكتسبوا} بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره {وللنساء نصيب مما اكتسبن} من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن” :
(1) فللأنثى نصيب عام من نعيم الدنيا في الرزق والمواهب والقدرات… لأنها إنسان شأنها شأن الرجل.
(2) وللأنثى تعويض مجز عما خص الله به الرجل: فإنه وإن جعل الله ميراث الأخ ضعف ميراث أخته فقد خص الزوجة بالمهر أولاً، وميزها بالنفقة ثانياً…
(3) وتفردت الأنثى بنصيب خاص من متاع الدنيا وزينتها دون الرجل (مع الاحتفاظ بحقها في التمتع به في الآخرة) كتحليل الذهب والحرير لها…
وهذه بعض النواحي الإيجابية التي خُصت بها الأنثى في الدنيا لا كلها.
فرأيت في هذه الآية الفرج والمخرج؛ لأن هذه الآية تحمل البشرى العظيمة إلى النساء حين تؤكد أن لهن فضلاً كما للرجال، فلا يتمنين الذكورة لأن للنساء نصيباً في الدنيا من كل شيء كما للرجال (وإن لم يكن من جنس نصيب الرجال)، وللنساء أجر أخروي مماثل لأجر الرجال.
ومازلت -بعدها- أبحث وأقرأ في التفاسير وكتب الأحاديث والفقه وغيرها، حتى وجدت مزايا ومناقب وفضائل لجنس النساء أكثر مما كنت أتوقع، فجمعتها في هذا الكتاب، وأملي أن أصرف هؤلاء النسوة عن المقارنات العقيمية بين الذكر الأنثى إلى الاهتمام بتعداد مناقب الأنوثة، وتحديد المزايا التي تتحلى بها المرأة، وإبراز الفضائل التي خص الله بها النساء ليرضين بما آتاهن الله.
ولا تعجبوا من قولي، فالآية لم تنف أن للنساء مزايا وفضلاً كما يظن الناس بل هي قد أثبتت هذا المفهوم ورسخته، وهذا ما انتبهت إليه أيضاً “آمنة فتنت مسيكة بر” وأشارت إليه باختصار في كتابها “واقع المرأة الحضاري في ظل الإسلام” حيث قالت: “نستنتج مما تقدم أن التفضيل الذي ورد في الآية، لا يعني تفضيل جنس الرجال على جنس النساء بالمطلق. وليس صفة تمييز أو تفريق بل هو صلة تكافؤ وتكامل بين جنسي الذكورة والأنوثة اللذان خلقهما الله من {نفس واحدة}، وجهز كل شطر منها تجهيزاً خاصاً به، حتى تتعادل بهما كفتا الحياة. وهكذا يكون الله قد فضل الرجال على النساء بما وضع فيهم من البأس والشدة والقوة، وهي مزايا يمتاز بها الرجل، ويترتب عليها في المجتمع النسائي آثار عظيمة في مجال الدفاع والحماية والأعمال الشاقة، وتحمل الشدائد والمحن والثبات أمام المصاعب والأهوال التي تنزل بالإنسان. والنساء من ناحية ثانية، يفضلن على الرجال، بما جهزهن الله به من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة التي لا غنى للإنسان عنها في حياته والتي لها أثر كبير في تحمل أعباء الحمل والوضع والولادة والتربية. فشأن الإنسان إذاً، لا يصلح بالخشونة والغلظة التي هي من طباع الذكور أصلاً، لولا الرقة واللين التي هي من خصائص النساء… فالتفضيل الذي ورد في (آية القوامة) ليس مقصوراً على تفضيل جنس عامة الرجال على جنس عامة النساء. ولو كان الأمر غير ذلك، كما يقول إمام الأزهر: لكان الله سبحانه وتعالى قد قال في هذه الآية: {بما فضلهم عليهن}” .
ولا بد أنكم قرأتم هذه الآية التي تنهى عن التمني مرات ومرات، ولكن تأويلها لا يتم إلا بالعودة لأمات الكتب، وهذا الكتاب هو دراسة تحليلية واقعية مستفيضة في تلك الآية، وما توحي به تلك الآية، وما تمسه من موضوعات وأفكار، وإني وإن كنت قد تطرقت خلال الدراسة إلى بعض الآيات الأخرى التي تبحث العلاقة بين الرجل والمرأة، إلا أن هذه الآية هي الموضوع الأساسي، وهي محور هذا الكتاب.
وأنا ما قصدت من وراء دراستي تلك تفسير هذه الآيات، ولا شرح معانيها، ولا سرد الحكمة منها… فهذا ليس موضوعي، وليس هو هدفي الذي رميت إليه، وإني وإن عدت إلى مجموعة كبيرة من التفاسير وبحثت عن معاني الآيات، وراجعت بعض الأحاديث، وقرأت في كتب النساء، فإني فعلت ذلك بحثاً عن الحكم المقصود بهذه الآيات، ورغبةً في التعامل الصحيح مع أوامر الله، إنما كان هدفي الرئيسي وبغيتي الحقيقية هي إصلاح الحال، وإن الخطوة الأولى في طريق إصلاح وضع المرأة هو في تصحيح تصور المرأة عن نفسها فإذا أيقنت أنها إنسان شأنها شأن الرجل، ارتفعت معنوياتها واكتسبت الثقة بنفسها وتغيرت نظرتها إلى الحياة، وسعت نحو الأفضل، وفكرت بطريقة إيجابية، وتصرفت بفاعلية.
وإن في تعريف المرأة حقيقة وضعها وحقيقة وضع الرجل حل جذري لمشكلة المساواة والتحرير وما إلى ذلك، وفي تعريف المرأة حقوقها وواجباتها نحو الرجل وفي تعريفها حقوق الرجل وواجباته نحوها حد للحرب المستعرة بين الجنسين منذ قرون.
وفي كل ذلك صون لعقيدة المرأة عن الميل إلى الدعوات الهدامة، وفيها حماية لأفكارها عن الانحراف إلى السلبية. وفي تعريف الرجل أيضاً كل هذا، وفي التزامه به عودة الطرفين إلى الفطرة وإلى الدين المستقيم الحنيف.
وإذا أحبت المرأة أنوثتها، وعرفت قيمتها، وأدركت أن لا بديل يقوم مقامها، وأن لا أحد يمكنه إتقان وظيفتها مهما سمى وارتقى، وإذا تأكدت المرأة من هذا كله هدأت والتفتت إلى ما أراده الله منها، وعملت لآخرتها فحفظت الأمانة الموكلة إليها واهتمت بالقيام بكل واجباتها، ومنها العودة إلى المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي لا يحسنها إلا النساء ألا وهي تربية الأجيال، وهذا أهم ما نبتغيه من المرأة لأن صلاح المجتمع وفساده بين يديها، وهذه “سهيلة زين العابدين” توضح هذا في كلمات فتقول: “أعلنها بصراحة وبموضوعية وبحياد مطلقين أن المرأة وراء كل ما حدث وما سيحدث. لم أقل قولي هذا جزافاً ولا تجنياً على المرأة وإنما لإدراكي مدى أهمية دورها وخطورة تأثيرها على مجتمعها وهذه حقيقة واقعة علينا أن ندركها ونعطيها حقها من البحث والدراسة ثم تنفيذ ما نتوصل إليه من حلول، لأنها هي المخرج لنا من محنتنا ولا نستطيع عبور هذه المحنة واجتيازها ما لم ندرك هذه الحقيقة ونصلح العطب الذي أصاب سلوك المرأة المسلمة… المرأة هي سبب ما وصلنا إليه وإن اختلفت وسائلها… فإن احتدم القتال وحمي الوطيس وجبن الجندي فهرب من ساحة القتال كانت الأم والزوجة -إن كانت له زوجة- مسؤولتين عن تخاذله وجبنه وهربه، وإن شاعت الرشوة في المجتمع كانت المرأة أماً أو زوجة أو أختاً أو ابنة مسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة… وإن خان المواطن وطنه وعمل في التخريب والتدمير أو باع أسرار وطنه للأعداء كانت المرأة وراء ذلك، وإن انتشرت في المجتمع فاحشة الزنا وعم شرب الخمر وتعاطي المخدرات والمسكرات كانت المرأة وراء ذلك ومسؤولة عن ذلك… لماذا؟؟ لأنها مربية له وصانعة سلوكه ومكونة مبادءه وقيمه، فالمرأة التي تربي ابنها على حب الله والإيمان به ومراقبته في السر والعلن والخوف منه… تنشئه على العزة والكرامة… (فهذا سيكون) إنساناً سوياً مؤمنا صادقاً، مواطناً صالحاً، رجلاً أميناً على أعراض وأموال ودماء الناس. والزوجة الصالحة التي لا تقبل أن يدخل عليها زوجها بالمال الحرام قل أو كثر والتي تستنكر منه كل ما يبعده عن دينه… لن يلجأ زوجها البتة للزنى والفاحشة والرشوة والسرقة”، وتتابع: “لاشك أن أخطاء التربية سواء كانت أسرية أو تعليمية أو اجتماعية التي اتبعناها في تربية المرأة لها أثرها في سلوك المرأة المسلمة المعاصرة” ثم تبين ما هو طريق الخلاص: “إن دورها يتلخص في اتباعها الطريق الذي رسمه لها خالقها وهي طريق الإسلام، إذ عليها أن تسير على نهجه وتلتزم بما أمرها به وأن تحرص كل الحرص على المطالبة بحقوقها التي منحها إياها الإسلام، ولا تحيد عنها قيد أنملة، فإذا ما سارت على هذا الطريق ونهجت ذلك النهج ونالت حقوقها التي أعطاها الإسلام إياها كاملة نكون قد خرجنا من نكبتنا واجتزنا محنتنا وصرنا أكبر قوة في العالم” .
وهذا ما هدفت إليه؛ وإني ما أردت من كتابي هذا إلا أن أعيد إلى المرأة المسلمة ثقتها بنفسها حتى تقوم بما أمرها الله به، وتعطي نفسها حقها، ثم كل ذي حق حقه، فيتحقق الاستقرار الاجتماعي للمجتمع المسلم، ومن بعده النصر والفلاح إن شاء الله.
وإن عملي هو جهد بين مجموعة من الجهود، في عالم كبير اتسع رقعه وضم شمله على الراقع.. وإني أتأمل -لأجل ذلك- أن تساهم جهودي هذه بنصيب في إصلاح الأوضاع، والله الموفق.
ويقع الكتاب في أربعة فصول تدور ثلاثة منها حول آية التمني: فيبحث الفصل الأول الأسباب التي دعت النساء إلى تمني الذكورة ويفندها. ويبحث الفصل الثاني الأجر والصفات والمزايا والفضائل التي خصت بها النساء دون الرجال. ويوضح الفصل الثالث كيف تفضل النساء الرجال في الدنيا ثم في الآخرة! وفي الفصل الرابع مجموعة من الاقتراحات لحل مشكلة المرأة.
بصراحة الاستاذة عابدة تدهشني فقلمها لجميع فصول السنة ودائماً براق وممغنط أجدني أنجذب إلى كل كلمة
بارك الله فيها وبقلمها وجزاها عنا خير الجزاء
أشكرك على هذه الكلمات اللطيفة، وإني سعيدة بأمثالك من المهتمات والمثقفات.
كتبك كالواحة الغناء تضم أنواع الزهر
فلاأدري بأيها أبدأ:)
أين تتوفر كتبك في الرياض؟
أشكرك على الاهتمام, ولقد قال لي الناشر “ابن حزم” أنها ستكون عند مكتبة “جرير”
رائعة ..فعلا وضعت يدك على الجرح
شوقتنا لقراءة الكتاب فهل تم نشره