ما الذي اختلف في هذا الجيل؟

 أسمع الناس تشكو من تبدل هذا الجيل عن الأجيال السابقة في تمرده وعصيانه وصعوبة قياده، وتعزو ذلك لذكائه الخارق ووعيه وتفوقه… هذا ما يقولونه وليس الوضع كما يصفون.

راقبوا هذا الجيل ولاحظوا المظاهر الغالبة على أكثر أفراده:

1- القيم ملغية، الاحترام مفقود، الدين رقيق والتقوى قليلة، الحياء مات، الوقاحة ظاهرة عامة، وتفشت الأنانية وانتفى الاهتمام بالآخرين، وساد الاستهتار والتسيب واندثرت القناعة، وأكثر الأولاد يطلبون من أهاليهم حياة رغيدة فيها سبل الراحة كلها غير مبالين بالحالة المادية للأسرة، ثم لا يهتمون بمساعدة والديهم أو الوقوف إلى جوارهم في الأزمات.

والاهتمام المبالغ به بالدراسة جعل الأبناء منزوين عن الناس، فلا يتعلمون فنون الحياة ولا يعرفون علم السلوك، فيفتقدون بعض اللباقة والذوق حين يواجهون الآخرين ومنهم والديهم.

وتتأذى الأمهات مما ذكرته آنفاً ويعانين الأمرّين، وبالمقابل يعتقدن في أعماقهن أن هذا الجيل عالي الجودة وظاهر التفوق والتميز فيفخرن به؛ ويرين التمرد “شخصية قوية”، والمشاكسة “قوة”، والعند “ثبات على المبدأ” والوقاحة “رجولة”، ومجاراة الآباء “ذكاء”، والتسكع بالشوارع “خبرة وحنكة”… وأنا أخالفهم فيما يرونه ولا أوافق على المسميات الجديدة، وأُرجع تصرفات الأبناء لمعناها الأصلي (وقاحة ومشاكسة وعناد…)، وهذه أخلاق غير إسلامية وينبغي معالجتها والقضاء عليها.

الأولاد اليوم -ولا مؤاخذة- بلا قيم راسخة ولا تهذيب ظاهر، وهذا هو أكثر وأخطر ما تغير في هذا الجيل!

2- وأرى الجيل مستعجلاً على كل آت ولا ينتظر الوقت الملائم؛ فالبنت الصغيرة تتفنن في الزينة والتجمل وتضع مكياجاً كاملاً وتلبس ملابس الكبار، وتتصرف كالسيدات المتزوجات وتقاطع كلام أمها -في مجالس النساء- لتدلي برأيها.

والصغير يقتني موبايلاً خاصاً وكمبيوتراً محمولاً ويسوق سيارة والده. ويأمر وينهى ويعطي ويمنع، ويسن القوانين لأبويه.

ثم لا يستعجل الأبناءُ على حمل المسؤولية، ونرى الإهمال يضرب أطنابه، وانعدمت الشهامة، وتأخر سن النضج… وأصبح التفوق اليوم من نصيب البنات، وأكثر الشباب يتعثرون في الدراسة ويتأخر تكسبهم وتطول مدة إعالة آبائهم لهم.

3- ولا أنكر ملامح الذكاء والوعي البادية في الجيل ولكنها بلا نضج ولا خبرة، وينقص الأبناء العمق والحكمة ويتصرفون بلا عقل ولا تفكير ويتسرعون، فتكثر أخطاؤهم وسقطاتهم، وهم يحسبون أنهم فاقوا من قبلهم بالحنكة وحسن التصرف.

وحصول الأبناء على الشهادات العالية -زاد الطين بلة- وأوهمهم بأنهم باتوا متميزين متفردين بهذه الوريقات! فنراهم يتفلسفون ويتكبرون على ذوي الاختصاص والخبرة.

أولادنا اليوم كالحاسوب ذي القدرات الكبيرة، لكنه بلا برامج تشغيل جيدة!

4- ولا أنكر أن أبناءنا يعرفون أكثر مما كنا نعرفه (ونحن في أعمارهم) فنراهم يتقنون اللغة الأجنبية، ويعرفون كل شيء عن التكنولوجيا والإصدارات الحديثة في أي مجال، ولا تفوتهم الثقافة في عالم الرياضة والسيارات.

ولكنهم مقصرون في معرفة لغتهم العربية، ولا يعرفون -ما يجب أن يعرفوه- من معلومات عن الحرام والحلال وطرق العبادة الصحيحة، أو هموم العالم الإسلامي، بل إنهم لا يعرفون أي شيء خارج كتب الدراسة أو خارج دائرة تخصصهم، وهذا النقص غير مقبول، فبعض المعلومات الأخرى مهمة جداً، ويجب على كل فرد الإلمام بها.

5- أبناء هذا الجيل لا يثقون بأهاليهم ولا يقدرونهم كما ينبغي، وفوقها كف الآباء يد الأعمام وسائر الأقرباء عن التدخل في تربية أبنائهم أو إلقاء النصائح عليهم، وانعدم دور الجد والجدة وأصبح سكن كل عائلة منفصلاً عن الآخرى وقلت الزيارات، وبذلك فقدنا كبير العائلة ورأسها وحكيمها، فمن للأبناء؟ أين قدوتهم؟ ولمن يلجؤون ومن يستشيرون؟

بقوا بلا قدوة ولا مرجع وهم غر سريعو التأثر، ونفوسهم ضعيفة أمام الفتن والمغريات ويخافون مخالفة أقرانهم، فتركوا الخير وساروا على خطا الشر والسوء، وسَفَّ فكرهم وسلوكهم.

6- وهَمُّ هذا الجيل الأكبر “الشهادة” و”العمل”، ثم “تحصيل المال”، لماذا؟ ليتمتعوا وينفقوا ويعيشوا حياة الأغنياء، هذا هدفهم وهذا أقصى أمانيهم، وقليل منهم من فكر بتقديم شيء جديد للبشرية، أو بذل خدمة إنسانية، أو أي إبداع مفيد.

ولباس بعض الأبناء وأشكالهم لا تبشر بالخير وتعطي انطباعاً غير مستحب؛ يلبسون الشفّاف والضيق والألوان الفاقعة والشباب يطيلون شعورهم ويلبسون الحلي.

هذا ما تغير… وكلها تغيرات نحو الأسوأ، فأين أنتم أيها المربون، أين كنتم حتى وصل الحال إلى هذه الدرجة المخزية والمحزنة؟ ألم تلاحظوا بوادر التغير؟ لماذا لم تعالجوها؟ ألم يكن الأبناء في يوم ما صغاراً يمكن قيادهم وتوجيههم؟؟؟

أيتها الأم!

أنجبت طفلاً؟! عليك إذن القيام بواجباتك نحوه! وأهمها تربيته على الدين والخلق، وحمايته من الفساد.

فما تظنين دورك في حياة أبنائك؟ الحمل والرضاع والغسيل ثم التدريس؟ هل يقتصر دورك على هذا؟! بئست الوظيفة إذن! ولأجل هذا استحقر الناس عملية التربية، وحثوا المرأة على ترك البيت والخروج إلى العمل!

ليس من المروءة جلوسك بالبيت لتقومي بمهمات الخادمة ثم بمهمة المَدْرسة، هذا دور ثانوي وإن دورك أسمى من هذا وأعظم شأناً، إنه من أقيم الأدوار في هذه الحياة الدنيا فأنت صانعة الإنسان، ولا يستغنى عنك أبداً: “في التربية والتوجيه، وفي إصلاح الخلل، وفي منع الولد من الفساد والإفساد…”، وبمقدار بَذْلِك وتفانيك ينصلح المجتمع ويتقدم. فلماذا تهملين هذا الدور؟ وأنت الوحيدة القادرة على تغيير الأفكار وزرع القيم وتهذيب المجتمع والرقي بأفراده.

وإنما جعل الله للطفل حق “الحضانة” ليكون في رعاية الكبير العاقل ليوجهه ويعلمه، ووضع الله التحديات والمثبطات والفساد ليختبر صبر المربي وقدرته على تجاوز الصعاب، وهنا تظهر قدراتك ومواهبك أيتها الأم فكثيرات نجحن في الدراسة والتدريس والعمل وجمعن الأموال وحِزْن الشهرة، وقل من نجحت في تربية طفل عالي الدين والخلق أو طفل موهوب أو مميز، فاقبلي التحدي وأظهري إبداعاتك في تطبيع هذا الصغير ليصبح رجلاً متديناً عاقلاً منتجاً.

***

ستقولين: “لستُ أنا السبب في تبدل الجيل، وسائل الإعلام والفضائيات والنت والعولمة… هو ما أفسد أولادنا وأخرجهم عن السيطرة. ونحن الأمهات نشعر بالعجز أمام هذه التحديات، ولا يمكننا التصرف”.

هذه حجة كل الأمهات، ولدي رد عليه! فتابعي معي.

شاهد أيضاً

من وحي المونديال

من وحي مونديال 2022 وبطولة كأس العالم أرسلت يوم الإثنين- 19- 12- 2022 تنبهت متأخرة …

3 تعليقات

  1. صدقتي في كل كلامك ..فالجيل الجديد يحتاج لاعادة تاهيل وتربيه من جديد..وكم اتمنى ان نستطيف فتح مدارس تعلم البنات كيف يربين اباؤهن تربيه صحيحه وكيف يخرجن قادة وعظماء ويعرفن ان وظيفة الام الحقيقيه هي التربية الحقه