دق الهاتف وردت الفتاة، وسمعت صوتاً لا تعرفه يقول: “أحبك”! ولم تجب، وأرجعت السماعة إلى مكانها، وتتالت مكالماته مكرراً نفس الكلمة -ولم تكن كواشف الأرقام معروفة قديماً- فلما سئمت الفتاة من دأبه وطول باله قالت أختها: “دعيه لي”، وحين هتف لها قائلاً: “أحبك”، ردت بشراسة وبلهجة غاضبة: “أنت كذاب! لو كنت تحبني حقاً لعرفت صوتي! أنا لست التي ترد عليك دائماً”، فتلعثم وارتبك، ومن يومها توقف تماماً عن الاتصال، وتخلصن من إزعاجه.
ولكن المعاكسات ماتزال مستمرة، وهذا الذي كنا نتضايق منه وننكره ونعتبره إزعاجاً ونحتال لنتخلص منه تفرح به بعض الفتيات اليوم وتشجعه، بل تسعد وتراها مكرمة بأن يهتم بها أحد الشباب ويتصل بها كل يوم ليطمئن عن أخبارها، ويرفع معنوياتها وينعشها بأجمل الكلمات.
والبنات يحترمن العواطف ويحملن الوعود على محمل الجد، والشباب يعتبرونها مغامرات عابرة يتسلون عن طريقها، ويبرزون شطارتهم في استمالة الجنس الآخر، والتمتع بصحبته واكتشاف طباعه، والبنات كلهن سواء بالنسبة للمعاكس فلن يحب ولن يتزوج، وإنما يبقيهن كلهن عالقات تحت رحمته ورهن إشارته حتى يمل فيدعهن جملة واحدة… ورغم ذلك تستجيب الفتيات!
المسؤول الأول عن المعاكسة هو الذي يبدأ بها (سواء الذكر والأثنى) فيتصل أو يرمي الأرقام، ولا يُبرأ الطرف الآخر الذي يتجاوب، وكذلك يستمر الفساد وينتشر، فإن اتصل بك المعاكس فاقفلي الخط على الفور ولا تقولي أي كلمة، لأن أي كلمة (مهما كانت حاسمة أو قاسية) سيعتبرها تجاوباً من طرفك، وسيتمادى في جرأته. وإذا تكرر اتصاله فانتبهي لرقمه ولا تردي أبداً ولا ترفعي السماعة بتاتاً، أو دعي والدك أو أخاك ليرد عليه بحزم ويصده نهائياً. وإذا ناولك أحدهم رقماً فمزقيه فوراً وإذا أرسله لك على موبايلك فامسحيه بلا تردد، ولا تصادقي الناس على الكمبيوتر دون معرفة سابقة فقد يدخل الذكر باسم الأنثى أو العكس، فكوني حذرة ولا تتمادي في الكلام وإعطاء المعلومات خوفاً من استعمالها ضدك فيما بعد.
ولعل غياب التقوى وانقلاب المفاهيم والخواء الروحي وانتشار العنوسة من أسباب تقبل البنات للمعاكسات، فتحسبه البنت الطريق المؤدي إلى الحب ثم الزواج، وتتناسى أنها سبيل الشباب المستهترين وذوي النيات السيئة وأصحاب الأخلاق الفاسدة.
المعاكس أناني وقاسي القلب، يستبدل بالزواج التسلية، ويلعب بعواطف الفتيات ولا يبالي، فاحذري منه، وحذري أخواتك وصديقاتك من أمثاله فإنهم فاسقون ولا يصلحون للزواج أبداً.