المهر وسننه المتروكة

اليوم -ومع الغلاء ومع تهديد الأزمة المالية العالمية- ازداد اهتمام الناس بالمادة ازدياداً كبيراً، وتضاعف الطلب على “العريس الغني” صاحب الأموال والعقارات، وصار (أهالي البنات) يعون تماماً معنى هذه الجملة: “لا حد لأكثر المهر”!

ولأن هذه العبارة “لا حد لأكثر المهر” جاءت من مصدر موثوق هو “كتب الفقه” فإنها اكتسبت سنداً وقوة، وصار أهل المخطوبة يتمسكون بها ويتصلبون في رأيهم ويثقلون في طلباتهم… فهل يعلمون أنه وفي كتب الفقه أيضاً جملة أخرى قوية (ولها قيمة مساوية لقيمة هذه الجملة) وهي: “لا حد لأقل المهر”! ولكن الناس يأخذون ما يوافق هواهم ويدعون ما يخالفه، وهكذا تمشي الدنيا.

وقد جاء في كتب الفقه المعتبرة ما يلي: “ويكون المهر بملء الكف طعاما، أو بربع دينار! وإذا أعسر الخاطب يمكن جعله شيئاً معنوياً أي (بما معه من القرآن)”.

وهذه أول سنة من سنن المهر المتروكة: “التيسير في المهور”. وإن “التيسير في المهر” سنة حث عليها الرسول عليه الصلاة والسلام، وعملها بنفسه حين تزوج وحين زوج بناته وأصحابه. ولكن المسلمين يخالفون هذه السنة ويهملونها رغم حرصهم على الدين وعلى الاقتداء بسنة نبيهم.

ولا نقول بجعل المهر “ربع دينار” في زماننا هذا، فالعرف له اعتباره، ولكنا ندعو لأن “يكون المهر بمنزلة وسط بين المنزلتين” فيكون مبلغاً مقبولاً يتوافق مع قدرات الشاب ويتوافق مع الوضع الاقتصادي في محيطه، بحيث لا يقصر الخاطب في حق الفتاة ولا يتكلف فوق طاقته.

أما ثاني السنن المتروكة: “المهر حق للبنت وحدها تفعل فيه ما تشاء“: “تضعه في البنك، تستثمره، تشتري به متاعاً، تتصدق به…”، ولكن البنت لا تأخذ مهرها ويستلمه أهلها من الخاطب عوضاً عنها، وينفقونه على الكساء واللباس والمتاع الزائل، وقد يتصرفون فيه بغير موافقة الفتاة أو يجعلونها توافق بتزيين منهم بأن هذه هي العادات وعليها إنفاق جزء من المهر على تجهيز نفسها. وقد تجبر المخطوبة على إنفاق مبلغ من المهر على تجهيز بيت الزوجية وهذا خطأ (والزوج هو المكلف بتأمين السكن).

أما المخالفة الثالثة: فتظهر في “الاستشراف وطلب الزيادة على المهر“، والشرع يقول أن المهر هو الحق المؤكد للزوجة وليس لها غيره إلا أن يتطوع الزوج، وتظهر المخالفة الجديدة من طرف أهل العروس في “عدم الاكتفاء بالمهر” وتراهم يسألون عن المزيد والكثير، ويبتدعون تعقيدات وعوائق أخرى وطلبات… والأصل في الشرع “أن يدفع الراغب في الزواج المهر ويعقد العقد وينتهي الأمر وتصبح المرأة زوجته ينفق عليها من سعته وتعيش عنده كما يعيش أمثالها، أو تعيش قريباً مما كانت تعيش في بيت أهلها”، ولكنهم اليوم يشارطون الخاطب على كل شيء، على حفلة العرس والذهب ومساحة البيت وموقعه ويهتمون بمستوى الفرش… بل يدخلون في التفاصيل الصغيرة جداً ويريدون المشاركة في كل شيء ولا يرحمون الشاب في الأسعار ولا يهتمون بذوقه في تأثيث بيته بل تستأثر العروس وأهلها في اختيار الأثاث والأدوات ويتركون له دفع الفواتير.

المخالفة الرابعة: “البنت لها مهر أمثالها” أي مهرها يساوي مهر من تناسبها في البيئة والوضع الاجتماعي، ولكن ومع العولمة أصبح الناس كلهم على مستو واحد، وأي مستوى؟! لقد اختاروا أعلى المستويات وأفخمها، وعند كل زواج يطلب الناس أعلى وأغلى المهور ويتحججون: “هكذا الأسعار، كلهم يطلب ذلك”! ولا يراعون دخلهم ووضعهم الاجتماعي ويحاولون رفع مستوى ابنتهم زيادة عن أقرانها، وزيادة عن وضع أهلها أنفسهم. وبالمناسبة فإن هذا الخطأ ينقلب على أهل الفتاة فيما بعد لما سوف يرونه من تكبر أحفادهم عليهم (وقد صاروا من طبقة اجتماعية أعلى من طبقة أجدادهم)، وقد رأينا هذا بأعيننا في بعض الزيجات.

وهكذا تساوت مهور كل البنات وهن مختلفات في نشأتهن وثقافتهن وبيئاتهن؟! ووقعت بذلك مخالفة أخرى جديدة تعارض ما يحبه الشارع ويرضاه. وهذه المخالفة “تساوي مهور البنات” من أكبر المخالفات الشرعية ضرراً؛ لأنها صعبت الزواج وسدت الباب أمام العفة ولم يعد الشاب الناشئ يجد من ترضى به أو تقبل بدخله وهو عاجز عن تأمين تكاليف الزواج، ومع كثرة المغريات انتشر الفساد في بلادنا العربية وأضحى الوضع مقلقاً.

فيا أيها المسلمون

إن “السنة الشريفة” ليست في العبادات فقط إنها شاملة لمناحي الحياة كلها، وإني أراكم تخافون الله وتحرصون بشدة على سنن المصطفى في عباداتكم، فما بالكم تهملون هذه السنن في تعاملاتكم وهي لا تقل أهمية عن السنن التعبدية؟

إن اتباع هذه السنن هو الذي سيصلح لنا معاشنا ودنيانا التي نعيش جميعاً فيها.

فاحرصوا على تتبع هذه السنن المتروكة في الزواج وقوموا بحقها

شاهد أيضاً

المرتزقة الجُدُد!؟

كنا ما زلنا نحارب ظاهرة علماء السلطة وننقدها ونتمنى لو شفينا منها ليبرز لنا آفة …