الإسلام ما حدد سناً للحجاب، إنما ترك القضية لتقدير الآباء والأمهات، وما نُقل إلينا في الأثر متى تحجبت البنات الصغيرات في عصر الصحابة، والفقهاء -فيما أعلم- اختلفوا في عورة الصغيرة وما حددوا للحجاب عمراً حاسماً (وإن كان الاحتشام مطلوباً، وتدريب الأولاد على الفرائض يبدأ باكراً ليصبح عادة مألوفة)، والأمر الوحيد الثابت والجلي هو أن الحجاب يصبح فرضاً بعد البلوغ، وقبله لا يكون كذلك، فلا بأس أن تبقى البنت بلا حجاب حتى لحظة البلوغ.
على أن موضوع “الحجاب” دقيق جداً؛ وتأخيره قد يؤدي إلى عدمه فلا تتحجب البنت أبداً، أو تقع في صراع مرير ويصعب الحجاب عليها؛ فالبنت حين تقترب من البلوغ تهتم بمظهرها، وتحب الزينة واللباس وتقضي وقتاً وهي تتأمل نفسها في المرآة، وتكتشف مواطن الجمال فيها فتميل إلى إبرازها ويصعب عليها إخفاء مفاتنها، ويستهويها اقتناص نظرات الإعجاب من الرجال وينعشها سماع كلمات الإطراء منهم.
أما قبل ذلك فتتوق كل طفلة إلى تقليد أمها، ويظهر ذلك أثناء اللعب فتضع الفتيات شيئاً على رؤسهن كلما لعبن دور الأم! ويحرصن على الحجاب إذا مثلن أنهن خارجات من البيت ويضعنه إذا دخلن! ومنذ بداية وعي البنت على الدنيا تبدأ بالتساؤل: “متى سأتحجب مثلك يا أمي؟”، أو تحسم القضية بنفسها حين تقول يوماً لأمها: “أريد أن ألبس كما تلبسين”، وفي أحيان كثيرة تصر على ذلك وهي ما تزال بنت ثلاث سنين، وقد تصر يوماً ألا تخرج من البيت إلا بعد أن تستجيب الأم إلى طلبها وتعطيها خماراً تضعه على رأسها، ثم تنسى القصة في اليوم التالي وتخرج حاسرة! ولكن وكلما كبرت البنت ازداد إلحاحها بالحصول على حجاب خاص لها تلبسه دائماً كأمها، حتى إذا اقتربت إلى البلوغ تراجع إلحاحها.
فما العمل، وكيف نتعامل مع حجاب الفتيات؟
الحجاب قيد! يقيد في الحركة ويمنع البنت من اللعب كما تحب وتشتهي، ويحرمها من لبس أكثر ملابسها، ولا تستطيع الفتاة فتح باب الدار ولا النظر من الشباك إلا بعد لبس خمارها وجلبابها… وهذا شاق، وإذا خرجت إلى رفيقاتها اضطرت إلى لبس طبقات بعضها فوق بعض، وإذا كان الجو حاراً زاد الحجاب من حرارته عليها… وكل هذا شاق على الفتيات الصغيرات.
ولذا أنصح الأمهات بألا تستعجلن بالحجاب على الصغيرات؛ فسن البلوغ تأخر، والبنت في مرحلة الطفولة (من الثالثة إلى التاسعة) صغيرة والصغير في الشرع لا عورة له، فلا تستجبي لرغبتها في الحجاب، مهما أصرت وألحت، ولكن عوديها خلال هذه الفترة على الحياء فإذا جلست شدت ثوبها، وإذا أرادت تسلق الشجرة لبست بنطالاً أو سروالاً، وماطليها في قضية الحجاب وأخريها حتى تقترب من العاشرة.
والممطالة تحتاج لذكاء في التبرير، ولعبارات مناسبة وحلوة لكيلا تنفر البنت من الحجاب، ولئلا تستبعده من فكرها تماماً، ولا بأس بأن تقولي لها: “قريباً سآخذك إلى السوق ونشتري معاً حجاباً أنيقاً مناسباً”، وقولي لها: “التزمي بالصلاة أولاً فأكافئك بالحجاب”، “تحملي مسؤولية واجباتك كالكبار لتكوني جديرة بالحجاب”.
أما متى تتحجب البنت؟
الحجاب خاضع للفروق الفردية فبعض البنات يبلغن باكراً في التاسعة وهذا نادر، ومنهن من تتأخر إلى السادسة عشر، والفرق كبير بين الاثنين، إنها ست سنوات! فكيف تعلم كل أم وكل بنت متى سيكون بلوغها؟
الحل سهل: فالبلوغ لا يكون فجأة، وإنما تسبقه مقدمات واضحة، ونحتاج هنا إلى ذكاء الأم وفراستها، فالفتيات تظهر عليهن مظاهر الأنوثة قبل البلوغ بمدة جيدة، ويصبحن أكثر جمالاً وإشراقاً، ويبلغن أمهاتهن في الطول، ويكبر الثدي وتستدير الأرداف، ويظهر شعر الإبطين وينعم الصوت وتبدو الفتاة ذات الثالثة عشر للناظر وكأنها امرأة صغيرة! وحين يبدأ ظهور هذه العلامات على البنت تضع الحجاب وإن لم تبلغ بعد.
والنتيجة: ليس للحجاب سن معين تلتزم به كل بنت، وإنما يخضع للفروق الفردية وعلى أمهات الإناث الانتباه لبناتهن، فإذا لاحظت الأم أن ابنتها بدت عليها علائم الأنوثة وأصبح من الممكن أن تلفت نظر الرجال يكون قد آن أوان الحجاب بلا تأخير ولا نقاش.