“هل على حلي المرأة المعدة للزينة زكاة”؟

جاء موضوع المقالة بناء على أسئلة تتالت علي حول “زكاة حلي المرأة”، والملابسات التي تتعلق بها. وسأبدأ باختصار ومن الآخر، وأقول لك أن الموضوع خلافي وتوجد في المسألة خمسة أقوال (مما يفسر تضارب الآراء، ويبرر حيرة النساء، وتكرار سؤالهن عن الموضوع):
القول الأول- ذهب الجمهور (الشافعية والمالكية والحنابلة) إلى أن “الحلي لا زكاة فيها”.

القول الثاني- وذهب الحنفية ورواية عن أحمد، إلى أن “فيها الزكاة”.
القول الثالث- زكاة حلي المرأة عاريته، وهو رواية عن أحمد، وقال به ابن عمر، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر، والحسن البصري، وابن المسيب، والشعبي، وقتادة (والقائلون بوجوب الزكاة فيها ضعفوه).
القول الرابع- يُزكى عن حلي المرأة مرة واحدة، وقال به أنس بن مالك، وهو رواية عن مالك، واستدلوا بأثر روي عن أنس، قَالَ في الحلي: “يُزَكِّي مَرَّةً“.

القول الخامس- إذا كانت كثيرة، وزادت عن الحد المعقول والمقبول، أصبحت فيها الزكاة.

ولكن شاع وانتشر الرأيان الأولان، وبقي الناس بينهما؛ ولقد نشأنا وتعلمنا ألا نزكي عن حلينا، فقد كان هذا رأي جدنا علي الطنطاوي، ولكن وفي السعودية أخذتْ اللجنة الدائمة للإفتاء بقول الأحناف، فصَدَرَتْ عنها الفتوى “بوجوب زكاة الحلي”، وتصدرت هذه الفتوى وانتقلت بسبب قوة وسعة انتشار القنوات الفضائية والإذاعية التابعة لها.
فأي القولين هو الأصوب، أو هو الأرجح، أو هو الأورع والأتقى؟ فكثيرات يتقن للمثالية، ويسعين للأفضل.

ولذلك سأذكر التفاصيل المهمة للقولين، مع سرد الأدلة، ثم ترجيح الفتوى الأقوى:

ذهب الجمهور إلى أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يخرجهما من الأموال الزكوية؛ لأن الحلي مالٌ غير قابل للنماء.

فالحليّ المعدة للزينة، لا زكاة فيها في قول الجمهور (مغني المحتاج 2/95، وحاشية الدسوقي 1/490، وكشاف القناع 2/234)، في حين رأى الحنفية أن استعمال الحلي في الزينة واللبس لا يسقط عنه الزكاة تمسكاً بالأصل وبما ورد من أحاديث؛ فدليلهم أن: المادة التي صُنعت منها الحلي هي نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقداً يجرى به التعامل بين الناس، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع، فألحقوا الحلي بسبائك الذهب والفضة ونقديهما.

فإذن سبب الخلاف أمران:

الأمر الأول- اعتبارهما كنزاً ، وبمقام المال (أو عدم اعتبارهما).
والثاني- تعارض الأحاديث الواردة في الزكاة أو عدم الزكاة.

دليل وحجة الفريق الأول (الذي قال: لا زكاة عليها) وهو الجمهور:
1- أن الحلي خرجت بالصناعة والصياغة عن مشابهة النقود، وأصبحت من الأشياء التي تُقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع.
فالحلي للتجمل، وهي متاع مستعمل منتفع به، وهو من حاجات المرأة وزينتها، فهو بالنسبة لها كالثياب.
في حين (نقد الذهب)، والورق (نقد الفضة) لا يصلحان إلا للإنفاق.

و”الكنز” لا يطلق على الحلي المتخذة للاستمتاع، فالحلي تُستعمل وتُلبس ويُتجمل بها (وتخزن فقط: خوفاً من اللصوص).

2- لم يرِد نص صحيح صريح يوجب الزكاة فيها، أو ينفيها عنها، والأصل براءة الذمة فتبقى على أصلها (أنه لا زكاة عليها).

وأفادوا بأن: النصوص العامة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا تشمل الحلي، لأن لفظ (الأواقي) لا تطلق على الحلي، بل على الذهب المضروب، كما أفاد القاسم بن سلام (أبا عبيد) وهو إمام في اللغة، كما هو في الفقه والأثر.
وبه قال ابن خزيمة في صحيحه: “اسْمُ الْوَرِقِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبْنَا بِلُغَتِهِمْ لَا يَقَعُ عَلَى الْحُلِيِّ الَّذِي: هُوَ مَتَاعٌ مَلْبُوسٌ (4/34)”.

ومثله قال الشوكاني: ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحِلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق لأنه قد ثبت في كتب اللغة الصحاح والقاموس وغيرهما: أن الورق اسم للدراهم المضروبة، فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية، بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية. وكذلك الآية، فإن لفظ الكنز لا يطلق على الحلي المتخذ للاستمتاع, وإنما المراد بالآية الذهب والفضة التي من شأنها أن تنفق بدليل قوله: (وَلَا يُنفِقُونَهَا)، وذلك إنما يكون في النقود, لا في الحلي الذي هو زينة ومتاع .

3- لم يثبت عن أحد من الصحابة وجوب الزكاة في الحلي إلا عن ابن مسعود، كما ورد بكتاب “الأموال للقاسم بن سلام (ص: 544″(؛ فعضد الجمهور قولهم بـالآثار الواردة عن الصحابة في عدم وجوب الزكاة في الحلي، وهذا بعضها:

نقل ابن حزم: “وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ (المحلى بالآثار 4/ 185).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .

وروى مالك (الموطأ 485) عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ.

وقال الباجي عن إسقاط الزكاة عن الحلي: “وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ (المنتقى شرح الموطأ 2/ 107).

ونُقل عَنِ الْحَسَنِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: “فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ (مصنف ابن أبي شيبة2/384).
وعليه فلا زكاة أصلًا، على المرأة في حليها.

4- وأما ما ورد من أحاديث في وجوب زكاتها، فقد اختلف أهل العلم في ثبوتها، كما اختلفوا في دلالتها، فأجابوا عنها بأنها ضعيفة كلها، حيث قال الترمذي: “وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ (جامع الترمذي 3/29). وقال ابن الجوزي : “كلُّها ضعافٌ (التحقيق 3/71)”.

وقال مفتي المملكة العربية السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ: وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المسَكَتَينِ، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها …كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح… والحاصل أننا لا نرى زكاة الحلي المعد للبس للأدلة الصحيحة (فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ 4/97).
وحسب موقع إسلام أون لاين فإن حديث المرأة “ذات المسكتين من ذهب” فإن هذا الحديث اختلف في توثيقه وتضعيفه، وانتهى الذهبي في “الميزان” إلى أن حديثه من قبيل الحسن (ميزان الاعتدال: 3/263 – 268). وخلاصة ما وصلوا له أن راوي الحديث قد عاصر هؤلاء الصحابة، فلم يلزمهم بما سمع من رسول الله -ﷺ- في شأن المرأة وابنتها ولو فعل لرجعوا عن أقوالهم، ولنُقل ذلك إلينا، ولو كانت الزكاة في الحلي فرضًا لما اقتصر النبي -ﷺ- على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤية الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا انتشر وشاع، ولفعلته الأئمة بعده، ولكننا لم نسمع له ذكرًا في شيء من كتب صدقاتهم.

وهكذا يتبين أن حجة الجمهور هي الأقوى، ويكفي أنه كان رأي السيدة عائشة
الفقهية التي كان يرجع إليها الصحابة.
كما أن الناس يميلون عادة لرأي الأكثرية، ويطمئنون لهم، والجمهور قالوا “لا زكاة في حلي المرأة”. كما تجدون هذا الترجيح على بعض المواقع الموثوقة على النت.

وأنا أميل وأرتاح لهذه ا لفتوى:
 لأن كثيراً من النساء ليس لديها مال، ولا مورد، ومنهن من يمنعها زوجها من الخروج للعمل ومن التكسب، ولا تملك من الذهب سوى قطعة أو قطعتين، أو خمسة… كانوا مهرها أو ورثتهما من أمها، فكيف ستزكي حليها؟
وهناك من رد على هذا، بأنه ليس حجة لأن السابقين لم يذكروه!؟ وعليها بيع قطعة منه وتزكيته!؟

ولكن: بعض قطع الذهب قد تكون ثمينة جداً، وغالية ونادرة، ولها ذكريات، وبيعها يبخسها ثمنها، خاصة إذا كان اضطرارياً، فيستغلها البائع، أو تبيع والذهب في أدنى مستوياته… مما يجعل المرأة تخسر الكثير معنوياً بسبب خسارة قطع أثرية، ومادياً بسبب خسارة فرق سعر الذهب بين شهر وآخر، وستخسر عند استبدال قطعة ذهب بالمال، فهكذا لن تلبس هذه القطعة، وستخسر بسبب التضخم، فالمال الذي سيبقى بعد بيع الحلية ودفع الزكاة المستحقة سوف تقل قيمته بشكل متسارع بسبب الغلاء (في حين لو بقي ذهباً لحافظ على قيمته، لاستمتعت بحليتها).
ولقد ورد جواز تأخير الزكاة، لمن لا يملك سيولة في المال، ولم يرد ما يجبر المسلم على بيع ممتلكاته، ليدفع زكاته في الحال.
وإن المرأة التي لا مال لها، ستفقد الكثير من حليها، لو بقيت تبيع وتزكي.
كان هذا رأيي، الذي وجدت أكثر المواقع (التي توجب الزكاة تعارضه)، وكم سعدت حين وجدت موقع إسلام أون لاين، قد تنبه وتفطن لهذا ونصرني في قولي، حيث قال:

ومما يعضد ما رجحناه من عدم وجوب الزكاة بالحلي، أن القاعدة في كل مال: أن يؤخذ زكاته منه نفسه؛

فكيف تستطيع المرأة إخراج الزكاة من حليها إذا كانت لا تملك غيرها، كما هو شأن الكثيرات؟ إن معنى ذلك: أن تكلف بيعه أو بيع جزء منه، أو بيع شيء آخر من متاعها، وذلك ما لم تجيء به الشريعة، فالشريعة لا تُلزم المزكى أن يدفع زكاة ماله من مال آخر؟ ولا تكلفه ببيع ماله ليدفع.

والزكاة تؤخذ من المال النامي، ليبقى الأصل سالماً لصاحبه، ومصدر دخل متجدد له، وإيجاب الزكاة في الحلي -وهو لا ينمى- ستأتي عليه في جملة سنين، وهذه اللفتة مهمة جداً: “وهذا ما أخبر به بعض من أوجب فيه الزكاة، فقد سئل ميمون بن مهران عن زكاة الحلي، فقال: إن لنا طوقًا، لقد زكيته حتى آتى على نحو من ثمنه (الأموال ص 442) وأرى أن روح الشريعة في الزكاة تأبى هذا”.

فإذن الحلي ليس عليها زكاة على الصحيح، ولكن تبرز بعض الإشكالات، فهناك حالات وشبهات تخيف النساء:

الشبهة الأولى- حيث تقول لي السيدة: “أنا لا ألبس ذهبي”
فهو في الخزانة دوماً (لأنها لم تعد تحتمل القيود في يديها، أو تخاف عليه أن ينكسر، أو يضيع)، أو تخاف أن يُسرق فتودعه في صندوق الأمانات بالبنك، فيصعب عليها الوصول إليه، أو تكون مغتربة فتخبئه في بيت أهلها، وتسافر بعيداً لمدة طويلة.
أو تكون نيتها إعطاء ذهبها لبنتها عندما تكبر، أو هبته لابنها كهدية لعروسه يوم زفافه… فهو مركون ومهمل، فهل يصح في هذه الحالة ألا تدفع زكاته؟ والجواب:
قاعدة الزكاة : كل ما كان للاقتناء والاستعمال الشخصي فلا زكاة فيه. ونص الحنابلة على أن الحلي المعد لاستعمال مباح لا زكاة فيه، ولو لم يستعمل. قال البهوتي (كشاف القناع 2/234): ” وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَلَوْ لَمْ يُعَرْ أَوْ يُلْبَسْ حَيْثُ أُعِدَّ لِذَلِكَ”، وقَالُ الْخِرَقِيِّ: “إذَا كَانَ مِمَّا تَلْبَسُهُ… فَتَسْقُطُ الزكاة عَمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِعْمَالِ؛ لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ”.
وفي الفتاوى المعاصرة الموثوقة على النت، ومنها موقع إسلام ويب أخذ بهذا القول: “الحلي المعدة للاستعمال، والزينة المباحة، فلا زكاة فيها مهما بلغ ثمنها، ولو لم تُلبس”.
وقد تسألين “وماذا بشأن الذهب المكسور الذي لا يمكن استعماله؟”.

 فهذا لا زكاة فيه لخروجه عن الاستعمال والزينة عند الشافعية، وعند غيرهم عليه الزكاة.

وقد تسألين: “ماذا لو كنت أجمع ليرات ذهبية أو سبائك خفيفة، حتى إذا وصلت للعدد المطلوب جعلتها إسورة وعقد، فهل عليها زكاة ريثما تتحول من سبيكة إلى حلية؟”.
والجواب: وفي هذه الحالة أيضاً ليس عليها زكاة، لأن ما يحدد القضية هو “النية”، فإذا كانت النية الزينة، فليس عليها زكاة.

الشبهة الثانية- تقول “كيف الذهب غير قابل للنماء، وثمنه يزيد كل مدة وأحياناً باطراد؟!”.
والجواب: “نعم، ثمنه يزيد ولكن وبالمقابل التضخم يزداد”، وإني لما كنت صغيرة كان سعر الغرام الواحد من الذهب أقل من دولار (3 ليرات سورية)، وانظري كم هو اليوم.
على أن المقصود بالنماء إمكانية استثماره بمشاريع تعود بالنفع وتجعله ينمو (وكنزه تعطيل له)، بخلاف الحلي فإنه زينة ومتاع شخصي للمرأة، ويشبع حاجة من حوائجها.
وإن الزكاة لا تجب في كل مال، وإنما هي لحكمة أرادها الله، فتكون حسبما قرر الشرع، فالجواهر واللآلئ والأحجار الكريمة رغم غلاءها، ومع أنها مال عظيم، وله قيمة كبيرة، فليس عليها زكاة، وإنما تجب الزكاة في المال النامي أو القابل للنماء، ليبقى الأصل، وتؤخذ الزكاة من النماء، ومن الفضل عن الحوائج الأصلية، ولذلك أعفيت دور السكنى، ودواب الركوب وأدوات الاستعمال من الزكاة اتفاقًا.

ولقد قرر فقهاء الحنفية أنفسهم -الموجبون للزكاة في الحلي- أن سبب وجوب الزكاة هو: ملك مال معد مرصد للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة (انظر البحر الرائق: 2/218). والحلي ليست فاضلة عن الحاجة، وإنما هي أهم ما تتزين به المرأة، وهو من حاجاتها الأساسية.

الشبهة الثالثة- “عندي كمية كبيرة من الذهب”
وتعلل: “فقد كان الذهب رخيصاً، وكانت تأتينا هدايا كثيرة منه، وهو الآن مجمد بالحلي، فكيف لا أزكيه؟”.
والجواب: “الذين قالوا بعدم وجوب الزكاة في حلي المرأة، قالوا وأكدوا بالغًا ما بلغَ وزنُه”. فتساؤلك لم يَفُتهم، وهاهم قد أعطوك الجواب القاطع ليطمئن قلبك.

الشبهة الرابعة- “الحلي مال: وإنا لو مررنا بضائقة فإني سأبيعه”
وتعقب: “فكيف أضحك على نفسي، وأتهرب من فريضة، وكيف سألاقي ربي وأنا أشعر أي مخادعة؟”.
والجواب: كلامها من حيث المضمون صحيح، وكلنا كنساء (وخاصة اللاتي لا يملكن أي مورد) نحدث أنفسنا بفكرة بيع ذهبنا حال احتجنا، ولكن الحكم الشرعي يقول:

لو اشتريت أو اقتنيت الذهب كحُلي، وكانت نيتك الأولى والمبدئية اتخاذه للزينة، فلا زكاة عليه.

وإنك لو تفكرت، لوجدت: أن كل ما في بيتك هو مال، واليوم تستطيعين بيع كل شيء، كل شيء حقيقة وفعلياً وبلا مبالغة (الملابس واللعب وأدوات المطبخ…)، وأنا نفسي (ورفيقاتي، وزميلاتي) بعنا أغراضنا حين هاجرنا، وحصلنا على مبلغ جيد من بيع مقتنياتنا، هذا عدا عن أنه بإمكانك بيع موبايلك (والآيفون بالذات يحتفظ بسعره)، فهل تزكينه؟!
إلا “إن كنت فعلاً قد اشتريت الحلي بنية الادخار والتوفير فقط، أو للتجارة والتأجير، فتجب فيها الزكاة في هذه الحالة”، كما جاء بالمغني: “كَذَلِكَ مَا اُتُّخِذَ حِلْيَةً فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ (4/221)”.

وقد تسألين وفي حال اشتريته من البداية، بنية “الادخار” و”نية الزينة”، يعني أشركت النية، فما الحكم؟
عند الشافعية: الذهب إذا اشتري للزينة والعاقبة معاً فلا زكاة فيه.

الشبهة الخامسة: لكل فريق أدلة تبدو قوية، ولذلك أنا ما زلت خائفة، فكل فريق يضعف أدلة الآخر، ويقول: ولا تقوم بها حجة.

وأنا لست فقيهة، ولا أستطيع أن أميز، فبقول من آخذ؟

والجواب:
حين تكون المسألة خلافية، فإنك لن تصلي لجواب حاسم وحازم، فلا يخلو دليل من أدلة الوجوب وعدمه: من اعتراض، ونقد.
ولكن ما أستطيع أن أقوله لك، وأريحك به، أنه حين يكون هناك خلاف اطمئني، لأن القولين لهما وجاهة، وأيهما اخترت فلا تثريب عليك. وأنت حرة بمالك وحليك وأنت أدرى بوضعك المادي، ولكني فقط أريد أن أؤكد لك أنك ولو لم تزكي فإنك لا تفعلين حراماً، ولا تأخذين بهواك، ولا تأخذين بالقول المرجوح، بل بالأرجح.
وأهمه أنه لن ينزع الله البركة من مالك، فهناك من سيخوفك ويقول لك أنك ترتكبين معصية!
وإذا أردت الجواب بصدق فيبقى دليل الجمهور أقوى، لعدة أسباب:
– لأن الأحاديث الموجبة للزكاة في الحلي تطرق إليها الاحتمال: فمن العلماء من حكم بأنها منسوخة، ومنهم من ضعف أسانيدها، وإذا كان الأمر كذلك، فالأصل براءة الذمة من التكاليف، لأنه لم يرد بها دليل شرعي صحيح، فالقاعدة تقول “الدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال”، وهذا هو المعتمد في الفتوى.

– الأحناف هم من قالوا بوجوب الزكاة، وهناك من ناقشهم، واعترض عليهم بأنهم أصحاب قياس فكيف يفرقون بين متماثلين: فيسقطون الزكاة عن المواشي العاملة في السقي (لأنها صرفت عن جهة النماء إلى الاستعمال، فأصبحت كالأدوات والأشياء المعدة للانتفاع الشخصي)، ويوجبوها في الحلي المباح، وهما من باب واحد وللاستعمال الشخصي؟! فكان ينبغي إسقاط الزكاة عن الحلي أيضاً (لأنها تستعمل).

– وحسب إسلام أون لاين، هناك لفتة رائعة وعميقة، وهي استدلال قوي في المسألة، حيث قال الموقع: ويستبعد في حكم الشريعة العادلة أن يعفى من الزكاة حلي اللؤلؤ والماس والجواهر الثمينة، التي يقدر الفص الواحد منها بآلاف الدنانير، ولا يتحلى بها عادة إلا النساء الثريات والمقتدرات، ثم توجب الشريعة الزكاة في حلي الذهب والفضة، التي يتحلى بها عادة المتوسطات الحال، والفقيرات، فهل يعقل أن تبيح الشريعة الغراء لهؤلاء النساء الاستمتاع بحلي الذهب والفضة ثم تأتي فتفرض عليهن إخراج ربع عشره في كل عام، على حين تعفى أرباب اللؤلؤ والماس ونحوهما؟

– وأنا لدي سؤال للمتحيرة:
إذا كان لديك أربعة أقوال وكلها من الفقهاء القدامى الكبار والقريبو عهد بعصر النبوة، فعلام تركت ثلاثة، وتمسكت بواحد يوجب عليك الزكاة؟!
وأنا لي نظرية، أن المرأة دائماً حالة خاصة في الفقه، ولها فتاوى تتبع حالتها وتختلف فيها عن الرجال، وسأشرح لك:
لو عدنا لأركان الإسلام نجد المرأة تتساوى مع الرجل في وجوب الصلاة، ولكنها تعفى من أدائها في المسجد، ولم يحثها الإسلام على أدائها في جماعة كما حث الرجل، وليس عليها صلاة الجمعة.
ولو انتقلنا للصيام، نجد المرأة تشارك الرجل الفطر حال المرض والسفر، وتنفرد عنه بالفطر أيام الحيض.
ولو انتقلنا للحج، نجد للمرأة بعض الأحكام باللباس وغيره، فتختلف عن الرجل.
وأستنتج أنها لعلها كذلك بالزكاة، فالمرأة تحب الزينة أكثر من الرجل، وأحل الله لها الحرير والذهب من دونه، فلا عجب أن تكون لها أحكام خاصة (وأقصد ألا يكون هناك زكاة في حليها).

ومما يقوي ويرجح  أنه “لا زكاة في الحلي” ما تجدينه على المواقع في نهاية هذه الفتوى، حيث يقولون لك: “زكيه على سبيل الاحتياط، وخروجاً من الخلاف”.

فهو وبهذه الطريقة يعترف أن الأمر خلافي، ولا تثريب عليك في أي رأي اخترت. ولكن أريد أن أنبهك لأنه –وبهذا- يدفعك للأخذ بأحد القولين، ويأخذك للقول الأشد!؟
وهذا في الحقيقة ليس من الورع في شيء، فالصحيح تتبع الأصوب، وليس اختيار “القول الأشد”، وليس انتقاء “الأصعب”، وليس قصد “الأشق على النفس”.
وهذا أشبهه أنا، واسميه “التلفيق المعاكس”، وأقصد:
هناك من يجعل “تتبع الرخص من المذاهب” نوع من التلفيق المرفوض، ويقول: “المفروض اتباع مذهب واحد، أو سؤال من يتوفر من أهل العلم والأخذ بقوله، وأما تحري الأيسر عن سابق عمد وتصميم فلا يجوز… وأنا أضيف: فهل يجوز إذن تحري الأشد، والأخذ بالأصعب والأشق من كل مذهب؟!
وإني لأتساءل: لماذا لا ينهون عن هذا الفعل أيضاً؟! خاصة إذا لم يكن هو الأرجح؟!

شاهد أيضاً

فلان أفضل منك

  الاهتمام بزرع الصفات الجيدة، والخصال الحميدة في الطفل هدف كل أم ُمحبَّة، وهدف كل …