دعوني بالأمس إلى مجلس للأمهات، فسرني أن أدخل مدرسة أولادي واطلع على عالمهم وقد كنت محرومة من هذا الحق -حسب القوانين هنا- لأني أم لذكور، وكم سعدت لأن مدرستهم قدرت أخيراً أن الأم هي الأقرب للأولاد والأعلم بأحوالهم الاجتماعية وبدرجة تحصيلهم العلمية فعينت أستاذة لتكون وسيطاً بيننا وبين الإدارة تنقل شكاوينا واقتراحاتنا وتضمن التعاون والتنسيق فيما بيننا ليكون أولادنا على المستوى المطلوب خلقاً وتعليماً.
نصحني معارفي بعدم الذهاب، وقالوا بإصرار: “يا عابدة اسمعيها منا ولا تذهبي؛ فمجالس الأمهات ومجالس الآباء ليست إلا محاضرات مكرورة تلقيها عليك مديرة المدرسة وتشاركها فيها المعلمات، وتدار خلال ذلك القهوة العربية والتمر، وبعد انتهاء المحاضرة تتحلق بعض الأمهات حول معلمات بناتهن لسرد الملاحظات السريعة ثم ينتهي المجلس ولا تستفيدين شيئاً ولا يحدث أي تبديل!”، وليتني استمعت لهن ولم أذهب، ولكن الفكرة أثارت حماستي وأعجبتني وإن كنت لا أحب الوسيط وأفضل الحديث المباشر (حتى لا يكون سوء تفاهم أو تطول الأمور بين الإرسال والاستقبال) ولكن هذا ما توفر لي.
وذهبت وأنا أرجو الخير، ولم أنس أن أحمل معي ورقة رتبت فيها أسئلتي وحصرت فيها شكواي لأعرضها في المجلس رجاء التغيير نحو الأفضل. وصلت في الموعد تماماً لكنهم أخروا انعقاد المجلس ساعة كاملة على أمل أن تحضر كل الأمهات، فخسرنا الوقت الثمين بالانتظار الممل، ولما اقترب وقت انصرافنا ولم تحضر بقية الأمهات اضطرت المسؤولة مكرهة للبدء بالكلام، وإذا بها تطالعنا بمحاضرة عن فن التعامل مع الناس، ثم شرحت ما هي البرمجة العصبية، ثم أرشدتنا إلى قراءة بعض الكتب، وإلى الاستماع إلى محاضرات بعض المحدثين المفوهين اللامعين… استمعنا إليها على نية أنها مقدمة ثم تصل بنا إلى ما نريد، ولكنها لم تصل، وبدأت الأمهات بالتململ والهمس.
ولما أطالت قلنا لها: “يا أختنا الفاضلة ليس من أجل هذا أتينا، إن ما تقولينه كلام مفيد ومهم، ولكن ليس هذا موضعه، وما يهمني اليوم وسائر الأمهات هو بنونا وتحصيلهم ومشكلاتهم، فادخلي في الموضوع وشاركينا الحديث فلدينا ما نقوله لك”. اعتذرت وسكتت، وبدل أن تسألنا عن همومنا بدأت تعرض لنا صوراً عن إنجازات المدرسة، وعن الطلاب المتفوقين فيها، وعن الشهادات والكؤوس التي نالوها. ومرت الدقائق ونظرت إلى ساعتي فرأيت أنه وقت انصرافي، فاجترأت عليها وقلت: “ولا هذا أيضاً ما كنا ننتظره منك! فهذا دعاية للمدرسة، وأنا أقدر حرصكم على الإشادة بها ورفعها في نظرنا، ولكن لو لم تعجبنا المدرسة لما وضعنا أولادنا فيها. وإنما كنا ننتظر منك الاستماع لنا، ومناقشة ما نحمله نحن إليك من هموم ومعاناة، وها قد حان موعد انصرافي ولم نفعل شيئاً بعد”. ابتسمت وقالت أنها ستلج في الموضوع فوراً، ثم عادت سيرتها الأولى في الكلام! فاعتذرت وخرجت، وآليت على نفسي ألا أعود.
وفي الطريق وبعد فوات الآوان تذكرت أني دُعيت مرة من قديم إلى مجلس أمهات فألقت علينا المديرة محاضرة عن فلسطين! ونقر بأن قضية فلسطين قضية كل مسلم وكلنا نتابعها في الأخبار ونهتم لأمرها ولكن أليس لكل مقام مقال؟! ما دخل فلسطين بابني الذي في صف الأول الابتدائي وما علاقة فلسطين بما دعيت إليه من (ضرورة التنسيق بين البيت والمدرسة)؟! سبحان الله!
أيها المربون والمعلمون، مجالس الآباء والأمهات ليست منابر للوعظ والإرشاد العام، إنها وسيلة هامة للتواصل بين البيت والمدرسة، فعليكم الاستماع فيها إلينا لا إِسماعنا فقط. وإن لمس الأساتذة تقصيراً عاماً من أهالي الطلاب فليتداركوه ببضع كلمات لا بمحاضرات طويلة، وإن لمسوا جهلاً من بعض الآباء فليخصوا المقصرين بالمحاضرات، أما الواعون المدركون فتكفيهم التذكرة السريعة ولا حاجة لإضاعة وقتهم في أشياء لا تخدم مصلحة الأبناء، ولا تحقق الهدف الذي تركوا أشغالهم وواجباتهم وجاؤوا ركضاً من أجله. إنا نرجوكم ألا تنفرونا من مجالس الآباء والأمهات.
وأنتن أيتها الأمهات (وأيضاً الآباء) لا تسكتن، بل اعترضن على الأساليب والطرق التي تدار بها مجالس الأمهات تلك، واطلبن أن يُسمع صوتكن وتصل اقتراحاتكن أو اهجرن هذه المجالس ليتغير أسلوب إدارتها.
شاهد أيضاً
مفاضلة بين مهنتين
بدأت العمل قبل دخولي الجامعة بشهور فتوظفت في إحدى الشركات التي لا تهتم بالشهادات العلمية …