النساء والصغار ليس لهم من الأمر شيء في الصراعات والنوازل، على أنهم أكثر من يُظلم فيها ويتحمل النتائج، وإن البلاء لا يقف عند هدم البيت وموت الأحبة ومغادرة الوطن، والاضطرار للعمل… بل يصحبه التضييق والظلم والإحراج، وأنقل لكم أمثلة اجتماعية واقعية -عن وضع المرأة- خَبِرتُها وعشتُ معها في سنواتِ الثورة، وفي أكثر من بلدة:
– فهذا رجل في المعتقل من ثلاث سنوات يرسل لزوجته باستمرار ألا تخرج من البيت لأي سبب ولو كان لضرورة، وألا تعمل في أي وظيفة، ويملي عليها ماذا تصنع بالأولاد وفي أي مدرسة تضعهم، وكيف تدير البيت في غيبته. وإذا سمع عن مخالفة أرسل لها معاتبة (ولا يدرك أنها باتت لملازمتها للأولاد أقدر منه على اتخاذ القرار وإدارة الأسرة).
– وهذه فتاة رقيقة استشهد زوجها، فحبسها أهله عن اللحاق بأهلها في المهجر، وهم في خطر، ويعاملونها أسوأ معاملة؛ فهي بزعمهم ليست أكثر من مربية للصغار وخادمة للكبار، وإذا أرادت السفر وأصرت هددوها بحرمانها من الحضانة، وأطفالها لم يتجاوز أكبرهم الثالثة.
– وأكثر من سيدة خرج بها زوجها إلى بلد مجاور، فصار -فجأة- يهينها ويضربها وقد اقتربت من الأربعين وابنتها صبية يافعة، فلما سألته علام يفعله ولم يكن من شيمته، قال بكل وقاحة: كنت أهاب أهلك وعشيرتك، والآن يمكنني الانفراد بك بلا حسيب ولا قيب وأفعل بك ما يحلو لي.
– وإذا تخلصت الفتاة من تسلط والدها، ولم يكن لها زوج يحكمها، برز أخوها، وصار يرسم لها مستقبلها، دون مشورتها.
وهكذا ومع الثورات والمعاناة توجد بقية من أزواج وآباء يقيدونهن بقيود العادات البالية وبحجة السلطة. فإلى متى؟
حرب وقصف واستنفار ودمار، ونساء أرامل وثكالى مكلومات يتماسكن ويبذلن من أجل المحافظة على ما تبقى لهن، وتعويض النقص المادي والمعنوي بكل السبل الممكنة… والقيود الوضعية تكبلهن وتعيق عطاءهن. وحين تُوجد لَهنَّ فتوى شرعية تحسم القضية، يعتبرونها دعوة للرذيلة!؟ حيث قالت الحنفيّة: “تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبّت، حيث لا خوف عليها، وعند الشّافعيّة: تنتهي الولاية على الصّغير – ذكراً كان أو أنثى – بمجرّد بلوغه”، وإذا بينّا أن للزوجة شخصية حقوقية كاملة فلها التصرف في نفسها وأولادها بالمعروف ولا تحتاج لوصاية… قالوا هو تخبيب للمرأة على زوجها ونشوز!؟ ولا يفكرون بآثار الكبت والضغط والحرمان على النفس البشرية، وعلى الإبداع والخلافة في الأرض. وبالتالي على سلامة الأجيال والمجتمعات وصحة عقيدتها، وبفعلهم كثر الإلحاد والخروج عن الأخلاق.
وإنه ليس من الحكمة في زمن المحنة والفتنة، أن نحجر على المرأة وهي تتحمل المسؤولية وتبذل وتعوض النقص، فالغنم بالغرم. وإن لم نفعل خسرنا عطاءها، وأصبحت عالة ومشكلة على مجتمعاتنا، وكم من امرأة تلاشت بسبب انتقاصها والتقليل من شأنها، أو حرمانها من طموحها، فَقَصَّرَت في واجباتها، أو أصبحت صعبة المراس، سيئة العشرة، وعكست ذلك على أفراد أسرتها فأصبحوا غير أسوياء.
ومما يؤذي المرأة أكثر ويحبطها، أنه إذا دخلت عليها شبهة، وجاء من يفسرها برؤية متفردة ومريحة، من قول بعض الفقهاء المعتبرين الذين انفردوا بفتاوى مبدعة وسابقة لعصرها، قالوا له: لا يصح هذا، وأنت تخالف مذاهب الأئمة الأربعة.
وتراهم يتحرجون من بعض الفتاوى التي يحسبونها متساهلة ومُفسدة (مثل إباحة الكحل والخاتم على أنه مما ظهر منها) فيخفونها، ثم يُخرجون لنا أموراً من المباحات تقل لها الحاجة، ويضعونها في أيدي عامة الناس، في زمن قل فيه العلم وضاعت التقوى، فتكثر الخلافات وتستعر المشكلات.
وهكذا وفي ظل هذه الفوضى الاجتماعية والفكرية والسياسية جاء من يدعو إلى التعدد ويزينه، في مجتمع لا يحسن كثير من أبنائه التعامل مع زوجة واحدة حتى يضيفوا له اثنتين وثلاث. وفي مجتمع ألف الزوجة الواحدة لقرون طويلة فيُدخلون له فتنة جديدة، ويروجون لها دون شروط أو إرشادات، ويُبدونها وكأنها قربة إلى الله وسنة، وهي القاصمة في هذه الظروف والأحوال المتردية.
ولو صدقوا في حرصهم على أمن وسلامة النساء، لطبقوا الأحكام التي لصالحهن، ولأوجدوا مخرجاً لقضايا متنوعة جدت مع الأحداث، وعلى رأسها زوجات المعتقلين المهاجرات، فالواحدة منهن ما زالت من ست سنوات على ذمة رجل لا تعرفه حياً أو ميتاً، ولا سبيل للطلاق لأنها خارج النطاق، وهي تستصرخ الفقهاء أنا بحاجة للنكاح، وبحاجة للإنفاق فيقال لها: ما نراك إلا معلقة ولا سبيل للفكاك، فالطلاق بيد الزوج المفقود، ولا أحد يقوم مقامه خارج الحدود. ومثلها الفتاة التي استقلت عن أبيها بسبب الأحداث وأصبحت تقيم في بلد غربية، فإذا جاءها شاب مناسب منعوها من تزويج نفسها، ولا يستطيع أبوها الوصول إليها، فتبقى أيماً، ثم لا تجد من يهتم لأمرها في كربتها ووحدتها.
نحن -أيها السيدات والسادة- أمام مشكلات حقيقية يومية، تخص ملايين النساء، فإذا جاء من ينصف المرأة بفتاوى شرعية مؤصلة ومعاصرة، قالوا عنه مُخرِّف فقد عقله، أو مُنحرف يتربص شراً ويضمر سوءاً، خدعته العولمة، أو شروه بالمال. أو هو معقد نفسياً ويحتاج طبيباً – وإن جاء بالدليل- فقط لأنه تجاوز الأولين. وكأنهم يريدين أن يقولوا للناس: نعم؛ الله فضل الذكر على الأنثى، بل قلل من شأن المرأة وجعلها ناقصة العقل وسفيهة… فتحتاج لولاية وتأديب، والصحابة ضربوا الصحابيات، وتُرك تقدير الذنب الموجب للضرب للزوج بلا قيد، ويجوز للرجل منع امرأته من زيارة أهلها بلا سبب وعليه السكوت والرضوخ…
ثم يقترحون على المصلحين أن يدعوا الواقع المهين، ويكتبوا عن مفاخر الصحابيات لرفع المعنويات، ليتباكين حقوقاً اندثرت وضاعت مع غياب التقوى، وبقيت منها الروايات الجميلة، فماذا تفيد -هذه المآثر للتاريخية العظيمة- النساء وهن تحت الظلم والهضم وبدعوى الدين؟! إنها كمن يقول لولده المضطر لقسط الجامعة (وإلا طُرد ومُنع من إكمال الدراسة): “يابني كنت ذات يوم غنياً ولي ثروة وعمارات وعقارات وقطعان”، وهو يعرف أنه لا يملك اليوم ديناراً، فماذا يفيده هذا الآن؟!
أيها الناس فقه المعاملات يتغير بتغير الأزمان والأعراف، وكثير من الفتاوى اجتهاد فقهاء، وقال أصحابها بكل تواضع وإنصاف “إن أخطأنا فقومونا، والعصمة لله”، فأصر الناس على تقديسها ومنع مراجعتها، وما زلنا كلما حزبنا أمر نُخرج فتوى مضى عليها الدهر، وجدت فيها مسائل وتطورات، فنسقطها على الحاضر فلا تحل المشاكل (فيعطون المعتقل -مثلاً- حكم المفقود بلا فروق!؟ ويجعلون عدة النفساء ثلاث حيضات، فتبقى بالعدة أشهراً حتى تُنهي الرضاع!؟). ثم يَعجبون إذا وجدوا من المهاجرين شكاً بأحكام الدين، أو إذا أُعجبت الفتاة العربية بالمرأة الغربية أو القوانين الأجنبية.
والخلاصة أن القضية مهمة وجدية؛ أني مع من قال: “فقه المرأة والفقه السياسي يحتاجان لتجديد”، ولقد انبرى للفقه السياسي في عصرنا ثلة من الفاهمين، فاستخرجوا واستنبطوا أموراً جمة حلت أزمة. وحان دور أحكام المرأة فإما تخلصوها من تلك القيود الثقيلة أو سوف يحدث ما لا تحبون.
(*نشرت في موقع إليكتروني- 22 تشرين الثاني- 2016)
عرضت قناة بي بي سي من قريب حلقة تحدثت فيها عن الالحاد واستضافت نموذجا له فتاة سورية مقيمة في السعودية منذ نشأتها وقد كانت البنت ((العاقلة واللطيفة)) بحجاب ((شرعي))أسود بأسود تصلي وتصوم وتحج .. لكنها في قرارة نفسها كانت تضمر الإلحاد حتى أنها حجت مع أهلها وهي ملحدة!!!! لكنها كسرت حاجز الرهبة والخوف الاجتماعي وخرجت عن طوع أهلها وخلعت كل مظاهر التدين نفاقا وأعلنت إلحادها وسافرت إلى ((بلاد الكفار))!!
الشاهد في القصة… وليس تبريرا أو التماس عذر لمثل هذه القصص وأمثالها يكثر هذه الأيام…. أين ومتى يمكننا أن نقف ونواجه أنفسنا ونقول هذه الفتاة وغيرها مسؤوليتنا ونحن الذين ((طفشناهم)) بتقصيرنا في إيفاء النساء والضعفاء حقوقهم بغير منة ولا أذى ؟!!!
شكرا أستاذة عابدة على هذه الوقفة في مقال أرى فيه شجاعة كلمة حق في زمن نصنع فيه أصنام جهل وظلم تقربا لله!!!!!!