كانت عيناها ممتلئتين بالدموع، ولسانها يتمتم بالشكر والامتنان، لجارتها التي رافقتها في محنتها، واعتنت بأولادها في غيابها بالمشفى، كانت تبكي وهي تشرح لي كيف غادرت البيت على عجل إثر النوبة القلبية، ولولا أم فيصل لأصابتها مضاعفات خطيرة. وكانت تصف وتحكي، وتتفلت منها -كل جملتين- كلمات تدين بها أمها وأختها وقرابتها التي أعرضت عنها، وتركتها كالمعلقة فلا سؤال ولا اطمئنان
هي تتكلم وتشكو وعقلي يصول ويجول، فأنا أعرف أمها وأختها وقرابتهما ولسن بالسوء الذي تغمز به وتلمز
وإن قولها ذكرني بإفادة رفيقاتي اللاتي تغربن وتعرفن إلى أمم أخرى: “إنا وجدنا الشعوب الأجنبية أفضل من أهل بيتنا، وأقرب مودة ورحماً وأحسن من أهل بلدنا”، ووصفوهم بالكرم والطيبة والتعاون، وذكرني قولها أننا حين نبدأ علاقة جديدة، وصداقة حديثة نشعر بسعادة، ونستطيع التقارب والتعامل بيسر وسلاسة مع الذين لا يعرفوننا من قبل، ونتمكن من بناء جسور من المودة والعطاء والمرحمة، أكثر مما نستطيع مع قراباتنا
وليس السبب أن هؤلاء أفضل من أهلنا وأحسن؛ ولكن للقضية زوايا أخرى:
1- أشير لأولها بحكمة قرأتها قديماً: “إذا شاع عنك أنك تستيقظين باكراً، فنامي للظهر ولن يصدق أحد”! وأشرحها بقصة:
لي رفيقة عُرف أنها أنها أنانية وداهية، وأنها تتحايل للحصول على ما تريد، وتُظهر الضعف والمسكنة، ثم تأخذ ما تشاء، وقد تأكل حقوق الآخرين وتُسيّرهم حسب رغبتها. هكذا عرفها الناس. رفيقتي حجت وندمت وتابت، وكبرت ونضجت وقررت أن تتقى الله، وتتصرف بعدل واستقامة، لكن أحداً لم يصدقها، وإذا تكلمت أو تصرفت كانت عندهم متهمة بأنها تهدف لمصلحة، وغايتها الحصول على منفعة
أقصد البشر إذا عرفوا شيئاً لا ينسوه أبداً، وإذا تصرف المرء أي تصرف أرجعوه لصفة سلبية يعرفونها عنه، ومهما تغير وتحسن، ومرت عليه الأيام فإنه لا يجديه نفعاً
2- الناس يتعاملون مع الإنسان بطريقة تراكمية، أي من يوم ما عرفوه، فتتراكم سيئاته وحسناته، وكثير من الناس يهتم بالأولى ويكبرها ويتناسى الثانية ويهملها
3- ودرج الأقارب ألا يشكروا المعروف! وألا يهتموا برده، مما أوغر الصدور، وتسبب بسوء فهم بينهم
هذا وغيره يفسد العلاقات القديمة، في حين: (1) تُبنى علاقاتنا الحديثة على نظافة، من دون الأفكار السلبية القديمة (2) وتبدأ بعد أن نضجنا وخبرنا الحياة فتنجح أكثر
ولكن لا أحد يغنينا عن قراباتنا وأهلنا ،وليتنا جميعاً نفهم هذا ونتدارك أرحامنا
نشرتها على الفيس 17 آيار- 2016 (865 إعجاب، 83 تعليق، 100 مشاركة)