تتضجر أغلب الأمهات -إن لم يكن كلهن- من أولادهن الصغار، ويرون فيهم مصدراً للإزعاج والصخب. وتعتبر الأمهات الطموحات (إلى الشهادات العالية وإلى العمل) أن أولادهن هم السبب في تأخر الإنجاز بل هم العقبة الأساسية أمام أحلامهن.
وقد يكون هذا صحيحاً فالأولاد يحتاجون كل العناية والرعاية ويستهلكون الوقت كله، ويستنفذون الجهد، ويخرجون الحليم -أحياناً- عن طوره… ولكن للصغار -أيضاً- بهجة لا تعادلها بهجة فحركاتهم اللطيفة تفرح القلب، وكلماتهم وعباراتهم الرقيقة تضحك الحزين، وأسئلتهم واستفساراتهم تثير الإعجاب والتقدير، وضحكهم ومرحهم وصخبهم يقطع رتابة الحياة ويدخل عليها السرور والحبور… ومن المهم أن ندرك أهمية هذه المرحلة فأولادنا لا يبقون صغاراً وهم يكبرون، وإنهم ليكبرون بأسرع مما نتخيل، فيفقدون هذا التميز، ونخسر نحن تلك البهجة، ثم يغادرون بيتنا يوماً للدراسة أو للزواج، ولا يرجعون بعدها إلى دورنا إلا ضيوفاً.
فلم لا نستمتع بتلك المرحلة الرائعة قدر وسعنا لأنها لن تعود أبداً؟ ولم لا نستمتع وقد رزقنا الله إياهم ليهبوا لنا السعادة لا ليكونوا سبباً في تعاستنا؟
* * *
لقد كتبت إحدى الأمهات مقالة رائعة في هذا الموضوع وبثت فيها عاطفة الأم الفريدة مع الكلمات البليغة العاقلة، أقتطع منها هذه الفقرات: “عندما نقول نحن الأهل لولدنا: (سوف تكبر). فإننا نعني أنه سيكبر في يوم من أيام المستقبل البعيد جداً ولا نعني اليوم. والحقيقة الحلوة المرة هي أن هذا اليوم يأتي أبكر مما نتوقع”. وتتابع هذه الأم التي تركها ولداها كلاهما: “اليوم حين أرى الأمهات في المتاجر يتصرفن وكأن التبضع مع أولادهن أمر سيستمر إلى الأبد، أرغب في أن أبوح لهن بهذا السر. وذات يوم بُعيد رحيل ولدي الثاني شاهدت طفلين يتشاجران في متجر ووالدتهما تصرخ فيهما: (كفا عن هذا الشجار). وكنت أدرك مدى سطحية الشجار بين الأخوة، ولكنني لو اندفعت إلى تلك المرأة الغريبة وقلت لها: (تمتعي بهذه المرحلة من حياتك فهي لن تدوم). لاعتقدت بأني مجنونة”.
وتصف وضعها بعد رحيلهما فتقول: “أما المنزل فبدا مهجوراً بلا أولاد والسكون يلف الغرف حيث غابت الحيوية الصبيانية التي ملأتها فيما مضى… لكن هذين الشابين الطويلي القامة ليسا هما اللذين أفتقدهما، بل إني أفتقد الصبيين الصغيرين العزيزين المقيمين فقط في كتاب الصور وفي الذاكرة”[1].
إن أولادنا هم -في الواقع- ضيوف في بيتنا، وإنهم لراحلون يوماً، ومغادرون إلى غير رجعة، وقد يعود بعضهم إلينا بعد أن ينهي دراسته، وقد يسكن بجوارنا، وقد يكثر من زيارتنا مع عائلته، ولكنه سيأتينا كبيراً راشداً، وسيأتينا مشغول الفكر أو مستعجل الانصراف، وستنتفي حاجته إلينا وهذا من أكثر ما يؤلم الأمهات والآباء كما ألاحظ.
إن فراق واستقلال أولادنا عنا أمر واقع ولا سبيل لتجاوزه، وإنما يقلل من تأثيره علينا -نحن الأمهات- ويخفف من شدة وطأته أن نجعل علاقتنا بأولادنا قوية ومتينة، وأن نبنيها على الحب والثقة، وعلينا أن نكرم وفادة أبنائنا ونحسن إليهم قد استطاعتنا فهم من أحق الناس بإحساننا ودعائنا، فنكظم غيظنا، ونكبت غضبنا، ونربيهم ونوجههم بالحب والحنان (مع الحزم عند الضرورة)، ولنحملهم أجمل الذكريات لحياتهم معنا، ولنشعرهم بأعظم الامتنان للبيت الذي حضنهم.
إن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا، وقد نادى زكريا ربه أن لا يذره فرداً، وكان النبي على كثرة أعبائه لا يبخل على أحفاده بوقته فيلاعبهم ويراقبهم ويوجههم فيسر بهم ويسرون به.
فاغتنمي الفرصة أيتها الأم؛ ولا تضيعي الوقت بالصراخ في وجوه أولادك، وتوجيه اللوم إليهم، وندب ما تلاقينه منهم، والتأفف من عبثهم. ولا تؤثري نفسك ومشاغلك عنهم، بل تمتعي بأبنائك وهم في بيتك ومتعيهم معك، وكلما كنت أرفق بهم كانوا أكثر براً ووفاء لك.
بارك الله بك أختي عابدة موضوع أكثر من رائع لم يتطرق لها الكثير جزاكي الله خيراً .
كل الشكر لك أختي الكريمة
جزاك الله خير يادكتورة ، سأعمل منذ اليوم على الاستمتاع بأمومتي وتربية بناتي بقلب سعيد