الكهرباء والنفط والغاز وما شابهها (من مولدات الطاقة) من الاكتشافات العظيمة، والإنجازات الضخمة، التي ميزت قرن العشرين:
أما طاقة الكهرباء فهي الطاقة التي لا يستغني عنها أحد، فلا بد منها لكل بيت ومصنع، ولكل قرية ومدينة، وأبسط أشكالها اللمبات التي تضيء الليل فتجعله كالنهار.
والكهرباء هي التي تغيرت بها حياة الناس، فاتسمت بالسهولة والسرعة، وتميزت بالراحة والمتعة؛ يُكبس زر فينير المكان، وتُضغط لوحة المايكروويف فيسخن الطعام، ويدار مفتاح فيعمل مكيف الهواء، ويُلف قرص فتُغسل الملابس. وقد جَعلت الكهرباء وسائل التسلية والفائدة أيضاً في متناول الجميع، وفي كل وقت؛ فبفضلها يفكر الكمبيوتر فينجز كل العمليات ويحقق الاتصالات وتبادل المعلومات. وبها يوصل الرائي فيعرض ما تبثه المحطات، وبواسطتها يتاح للجميع الاستمتاع بألعاب الفيديو وحاكيات القرص المدمج ومسجلات شريط الفيديو.
ولكن الناس أساؤوا استخدام هذه الطاقة، فأسرفوا فيها دون مبرر، وما قدروها حق قدرها لأنها شيء متوفر وبكثرة، والناس -عادة- تزهد بما بين أيديها. فصار الاستهتار باستهلاك الكهرباء مما عمت به البلوى، وليس منا أحد إلا وهو مفرط بنور حمام أو مطبخ ينساه، فالناس لا يهتمون بما تصرفه هذه الأشياء من طاقة، ويرونه حقيراً، ولا ينبغي أن يكون شيئاً مذكوراً، وقد يكون الحق في طرفهم فنور الحمام أو الغرفة شيء هزيل، ولكن لو تخيلنا حجم الطاقة التي ستتجمع من بيوت البلدة لقاء إضاءة هذه الأنوار فقط لرأيناها صارت شيئاً ملموساً كبيراً، يستحق الاهتمام والاقتصاد.
وقد دأبت شركات الكهرباء على التحذير والتنبيه فلم تحظ بطائل، فاضطرت إلى تحديد الكمية المسموح بها لكل بيت، فمن زاد عليها صارت رسوم تلك الزيادة تصاعدية، ومع ذلك لم ترجع بعائد؛ فما تزال الأضواء منارة في الغرف الفارغة، والتلفزيونات مدارة ولا أحد ينظرها، وشاشات الكمبيوتر مضاءة ولا إنسان يعمل عليها فأصحابها لاهون عنها أو نائمون. وإنهم ما يزالون يُشغلون الماكينات التي تستهلك طاقة كبيرة كالغسالة والنشافة وهي فارغة إلا من بعض الملابس، مستهترين بأن ما تصرفه هذه الآلات (من ماء وطاقة) يكفي لتنظيف وتنشيف أضعاف هذه الكمية من الثياب…
فالناس تأبى الاستجابة للحد من الإسراف في الكهرباء، ولا حياة لمن تنادي. ولعل الحل يكمن في تنمية الحس الإيماني، والحس الاقتصادي في كل بيت من الصغر، فتحرص كل أسرة على تعويد أفرادها بأن يتكفل آخر فرد يغادر أي غرفة (لم يعد يحتاج لها) بإطفاء النور، وإيقاف المكيف والتلفزيون إن وجدا، وعدم ترك شاشات الكمبيوتر القديمة منها خاصة في وضع التشغيل إذا انتهى العمل عليها.
كما أن عزل المباني، وتركيب الزجاج المزدوج مثلاً، ممكن أن يوفر -حسب ما جاء في الموسوعة العربية العالمية- نصف الوقود المستعمل في التدفئة وفي التكييف لأنه يحفظ حرارة الغرف.
* * *
وأما طاقة النفط فهي نصف الطاقة في العالم، والنفط من أكثر الثروات الطبيعية في الدنيا قيمة، ومنه تصنع آلاف المنتجات، فهو شريان الحياة لذلك سماه بعض الناس الذهب الأسود، إلا أن إمدادات العالم منه تنفد بسرعة، وقد بدأ النذير يحذر من قرب ذلك اليوم، ولو استمرت معدلات الاستهلاك على حالها فسيصبح شحيحاً في أواسط هذا القرن.
وللناس العاديين دور كبير في التوفير والترشيد في استهلاكه، فلا يقولن أحد: أنا مجرد فرد لا أوثر في الاستهلاك العالمي شيئاً. فإنه ليس من أحد منا إلا وهو مؤثر إيجابياً في حفظ طاقة النفط باجتنابه السرف فيها، وبمحاولة التوفير والتقنين في استعمالها. وهذا السلوك الاقتصادي واجب على كل شخص يقدر المسؤولية، وهو يتحقق بأساليب يسيرة، منها: استخدام أنواع السيارات التي لا تستهلك الكثير منه، فهل نلتزم كلنا؟ ويتحقق بالقيادة في حدود السرعة التي تحقق هذا الترشيد، فهل نتقيد بها؟ ويتحقق بأن لا يستعمل أحدنا سيارته من غير حاجة حقيقية، وخاصة حين يمكنه استعمال قدميه، فهل يمتنع عن الترف ولو بعضنا؟
ومن الأمثلة على الإسراف في طاقة النفط أن تتوزع المجموعة المنطلقة إلى هدف واحد على سيارات عدة، وقد كان حري بهم أن يتشاركوا في الحمولة فيركبوا سيارة واحدة، ويوفروا في الوقود. ومنه سلوك بعض السيدات، فهن يرسلن السائق مسافة طويلة لشراء كيل واحد من الشوكوطة، أو لإحضار ثوب من المشغل البعيد، في حين تفضل المرأة الواعية أن تجمع حاجاتها بعضها إلى بعض مراعية أمكنتها ثم ترسل السائق لإنجازها كلها دفعة واحدة.
ولكن أكثر المسرفين في طاقة النفط من الشباب، على نحو ما نرى في الشوارع؛ فهم يتسكعون بسياراتهم دون هدف محدد أو غاية نبيلة، لا شيء سوى التسلية والمتعة، فيزيدون الشوارع ازدحاماً على ازدحامها، ويُسَرِّعون إهدار الطاقة النفطية التي شارفت على النضوب، ويستبدلون بأموالهم (التي تعب أهلهم في تحصيلها) نفطاً يحرقونه هدراً في خزانات السيارات، ويسارعون في عطب وخراب سياراتهم فالسيارة لها عمر محدد وكلما استهلكت ومشى عدادها كيلات أكثر سارع إليها البلى.
هذا عدا عما يسببه السرف في استعمال طاقة النفط من تلويث للبيئة؛ فما يخرج من أنابيب عوادم المركبات يتخلف عنه غازات ضارة، وفي كل عام يزداد انتشار ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النتروجين بملايين الأطنان المترية، ويتكون الرصاص -أيضاً- بكميات كبيرة. وتلويث الهواء بهذه المخلفات يدمر حياة النبات والحيوان، أو يعرقل نموه بصورة خطيرة.
ولقد لمست الحس الاقتصادي السليم تجاه النفط في أوربا وأمريكا، فكنت أرى الناس هناك يتركون سيارتهم واقفة أمام دورهم، ويذهبون إلى أعمالهم بوسائل المواصلات العامة، متحملين المشقات في سبيل توفير الطاقة، وترشيد الاستهلاك، والحفاظ على البيئة! فلماذا نحذو حذوهم في امتلاك هذه الوسائل، ثم لا نتعلم منهم الطريقة الصحيحة لاستعمالها، وهم مخترعوها؟
* * *
وأما طاقة الغاز، فهي في بلادنا تقتصر غالباً على طهو الطعام، فهي مختصة بالنساء وأصحاب المطاعم والفنادق، وليست لجميع الناس، ولو أن هؤلاء النسوة والطباخين (الذين يستهلكون ويفنون القسم الأكبر منها) أولوها بعض رعايتهم والقليل من اهتمامهم، فاقتصدوا في استعمالها، لساهموا مساهمة جيدة في تأخير نضوبها.. وما عليهم في سبيل ذلك إلا اتخاذ بعض التدابير البسيطة: فيطهون الطعام قبل وقت مناسب من تقديمه فلا يحتاجون لإهدار طاقة أخرى لتسخينه، ولا يوقدون الفرن إلا ساعة الحاجة إليه، ولا يتركون النار موقدة وهي فارغة ولو لدقيقة فالتحضير التام للحم والخضار يكون أولاً ثم تستعمل النار لإنضاجه، فلا يهدر شيء من طاقة الغاز.
* * *
وبعد، فإني ما كتبت عن الطاقة، إلا لأن الناس يستهترون بها ولا يفكرون أصلاً بأنه يمكنهم التوفير بها، فهم يعتبرون القضية أكبر من أن يقوم بها الأفراد، فهي قضية الدول الصناعية والاقتصاد العام العالمي، وقد تكون المصانع وغيرها هي المسؤولة عن القسم الأعظم من استهلاك الطاقة. ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون للأفراد العاديين دور فعال في الحد من الإسراف فيها، فينبغي على كل فرد القيام بنصيبه.
كما أن بعض الناس لا يقدرون عواقب السرف في استخدام الطاقة؛ فإسراف الإنسان في استخدام الطاقة بأنواعها ولد غازات ضارة، أثرت سلباً في البيئة؛ فرفعت درجات الحرارة، وأدت إلى خلل في الأمطار فتغرق مناطق جدباء ويقل الماء في مناطق كانت خصبة معشوشبة، وأحدثت ثقباً في طبقة الأوزون التي كانت تحمي الإنسان من الإشعاع الضار للشمس، ولقد تسبب هذا في ازدياد معدل سرطان الجلد وغيره. فهل من تحذير أبلغ من هذا ليحاول كل فرد المساهمة بنصيب وافر في إيقاف هذا الإسراف ليذب عن نفسه وعمن يحبهم؟
* * *