ونحن صغار كلمونا كثيراً عن عام ألفين كيف سيكون رائعاً ومختلفاً، وكم سيحمل إلينا من المفاجآت السارة السعيدة، فقد قدموه لنا بأنه عام فيه يغاث الناس وفيه ينعمون؛ فبه سيعم السلام فلا حروب، وستنتشر الطمأنية فلا أوبئة ولا أمراض، وستسود التكنولوجيا فلا نصب ولا تعب، وسيسيطر عليه النظام فلا فوضى ولا اضطراب. وستكون الحياة بعد ذلك وحتى نهاية العالم على أفضل حال وأحسن هيئة، قد أعد العلماء أنفسهم وشحذوا هممهم ليكون العام وما بعده آية في الضبط والسرعة ومثالاً في تحقيق الراحة للإنسان في شتى مناحي حياته كالتنقل وإنجاز الأعمال والاستقرار النفسي… قرأنا عن ذلك مفصلاً في المجلات، ورأيناه مجسماً في بعض المراكز العلمية في البلاد الأجنبية حيث توقعوا وخططوا ثم صنعوا نماذج لما ستكون عليه المدن وحياة الناس، وسمعنا شرحاً عنه في البرامج الثقافية التي تتنبأ وترسم المستقبل ففصلوا وبينوا ما سيكون عليه هذا العام وما بعده من المثالية والدعة…
وكم تلهفنا وتشوقنا وانتظرنا، فلما أقبل عام ألفين علينا لم يكن كما قالوا أبداً فلم توفر الألفية الجديدة للدول الغنية (فضلاً عن الفقيرة) ما كانت تحلم به من السعة والغنى… وما يهمنا ويسوؤنا أن بدأت الألفية الثالثة بحرب شرسة ضد الإسلام والمسلمين، حرب تحاول أن تستأصلهم وتبيدهم ولا تبقي منهم شيئاً. والمضحك المبكي أن أولى حروب القرن بدأت في السنة الأولى من القرن.
إن ما يحدث في العالم حولنا من قتل وتدمير وإبادة شيء كبير حقاً وهو مستهجن على إنسان الألفية الثالثة المتحضر الواعي، وإني لأسمع الناس يبدون تعجبهم مما يحدث من الدول القوية نحو الدول الضعيفة، فيستغربون من ظلمها ويستنكرون كيلها بمكيالين… وقد كنت أستكبر مثلهم الأمر وأتعجب منه، ولكني بت الآن وبعد الصدمة التي تلقيتها من الدول الكبيرة صانعة القرار (من وعودهم التي لم تتحقق ومن سلوكهم العدواني تجاهنا و…) أرى أن ما يحدث هو الشيء المتوقع والأمر المنتظر من مثل هؤلاء، فكيف كنت غافلة عن هذا!؟
نعم، فالقرآن شرح لنا بإسهاب وبين أن الإنسان إن لم يكن مؤمناً قد يكون كل شيء، فهو قد يظلم ويقتل ويحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض بالفساد… من أجل ذلك لم أعد أدهش من سلوك هؤلاء بل صرت أدهش ممن يأمن للكافر، ويثق بالمشرك، ويستعطف العدو ويكلمه بالمنطق ويطالبه بالعدل والقسطاس المستقيم… فهؤلاء ليست في قلوبهم رحمة، وليست لديهم العدالة ولا يعرفون إلا مصالحهم. وبالتالي فإن كل ما يفعلونه بنا وما يصدر عنهم من أذى تجاهنا شيء طبيعي وأمر متوقع وهو ينسجم مع منظومة الكفر، ويتماشى مع التاريخ الأسود المعروف الذي أوصل هؤلاء من الأصل إلى السيطرة ومن ثم إلى التحكم في العالم وناسه وموارده. وإنما أضحى ما يثير استغرابي أموراً معاكسة يراها الناس عادية! من مثل:
– أنهم يسارعون لإنقاذ رجل أو اثنين علقا في المحيط أو حاصرتهما الثلوج، ويتحملون المشاق ويدفعون الأموال ويجابهون الأخطار لساعات من أجل اثنين، فلماذا لا يتركونهم ليلاقوا حتفهم؟!! فقد تعودنا منهم أنهم يبيدون العشرات والمئات في دقائق.
– إرسالهم المعونات إلى الشعوب أثناء ذبحها وتهجيرها، وبذلهم الأموال لإعادة الإعمار بعد الدمار والتخريب، فما لهم ولهذا، ألم يكونوا يتمنون موت هؤلاء ويساهمون في إبادتهم وتخريب بلادهم فلم لا يتركونهم للمصير الذي ساقوهم إليه، ويدعون تلك المظاهر الزائفة التي نعرف ما وراءها؟!! أم يريدون أن يميتوهم ميتة كريمة فيموتوا وقد أكلوا وشبعوا ولبسوا؟
– بحوثهم الطبية الجادة، ومحاولتهم شفاء الأمراض وإطالة أعمار جميع البشر حتى غرمائهم. وإرسالهم البعثات الطبية التبشيرية إلى المناطق النائية الفقيرة التي يسودها الجهل، فماذا سيفيدهم إنقاذ أمثال هؤلاء من الموت؟!! وبماذا سيعود عليهم تنصر أمثال هؤلاء وهم من الأصل بعيدون عن الله لا يقيمون شعائر الإسلام، ولا يملكون بعد تنصرهم ما ينصرون به الدين الجديد؟
هذا بعض ما يحيرني ولابد أن له تعليلاً وجيهاً لدى من يفعله وقد أدركنا نحن شيئاً منه، ولكن الأمرين اللذين يحيراني ويثيران تساؤلاتي حقيقة وطالما فكرت بهما ولم أجد لهما جواباً:
1- بحثهم عن إمكانية الحياة على القمر وعلى غيره من الكواكب تحسباً وخوفاً من أن يضيق كوكبنا عن استيعاب البشر وأن تقصر موارده عن إطعامهم وإمتاعهم، فهذا غريب منهم؛ لأنهم إن استمروا في سياسة القتل وسفك الدماء وتصفية الناس أولاً بأول وسرقة مواردهم وتفقيرهم فإن الأرض لن تعجز عن استيعاب ما تبقى من البشر، وسيبقى فيها متسع لهم ولأعوانهم ليرتعوا فيها ويتمتعوا وحدهم بثمارها.
2- بحثهم عن مخلوقات أخرى في الفضاء، فلا أراهم إلا يحصصون ويرسلون إشارات وتعريفات عن كوكبنا وموقعه وشكل سكانه ويحاولون التقاط الردود. فلماذا يفعلون هذا؟ هل يريدون أن يسرقوا موارد تلك الكواكب أيضاً؟ أم أن التعطش للسلطان والرغبة في التحكم بعباد الله جعلهم يتوقون للسيطرة على كل مخلوق تطاله أيديهم فيركعوا ساكنيها ويذلوهم؟ أم يريدون أن يسلطوا علينا شعوباً أخرى تساعدهم في ذلنا وظلمنا؟
هذا بعض ما يخطر ببالي، وليتني أجد تعليلاً أو جواباً على الأفكار والتساؤلات تلك التي تراودني من آن لآخر فتورقني!